منى أبو زيد تكتب : في الشك واليقين..!

16  اغسطس 2022م

 

 

“ما أروع بعض الشك وما أفظع بعض اليقين”.. الكاتبة..!

 

 

(1)

مواقف إنسانية كثيرة أبطالها ليسوا مسلمين تحيلنا رأساً إلى مقولة سيد قطب الشهيرة عن المُسلمين بلا إسلام والإسلام بلا مسلمين. فهي على بساطتها مُقارنة بكوارث الشعوب ومصائب الأمم تُثير استفهاماً وجودياً خطيراً حول ما وصل إليه سلوك “الخواجات” من رحابة ورحمة ورقي، وما آل إليه سلوك بني الإسلام الذي أودع الله تعاليمه اللوح المحفوظ. ومن ثم فهي توقفنا في حرج بالغ أمام اختلاف وتفاوت الحضارات الذي هو – كما يقول مالك بن نبي – شيء يتكون وينمو ويعيش ويمتد ويزول. بين مواقف تؤنسن تواصل البشر على اختلاف اللون والدين والعرق في مُجتمعات لا يحكمها دين ولا تؤطرها عقيدة، ومواقف أخرى في مجتمعات الإسلام السياسي والعروبة الثقافية، حيث يبلغ المسلمون الآمال بحفر القبور ويحصدون الأمنيات بإشعال الفتن..!

 

(2)

قبل سنواتٍ طوال أنكر الدكتور حسن الترابي – رحمه الله – بعض الأفكار الغريبة بشأن ليلة القدر، وقال إنّ المسلمين يتوهّمون ويعيشون في الأحلام وينتظرون ليلة القدر لتأتي لهم بالنعم، بينما ليلة القدر ليست للأماني، فمن يعمل خيراً يجز به ومن يعمل سُوءاً يجز به. في الوقت الذي أنكرت فيه المصادر الدينية السعودية انتقاد الشيخ الترابي للطقوس الشكلانية في تحري ليلة القدر ظهر كتاب – أكثر إثارة من تصريحات الترابي نفسها – لأحد مُواطنيهم الأستاذ ممدوح بن متعب الجبرين، عنوانه “معرفة اسم ليلة القدر”، والافتراض الذي يثبته هو أنّ ليلة القدر تأتي يوم الثلاثاء من كل عشر أواخر رمضانية في كل عام هجري. وفيه أورد المُؤلف أسباب رفع علم الرسول بليلة القدر من القرآن الكريم كقوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي” واستدل بعنونة الإمام البخاري في صحيحه لباب كامل أسماه “رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس”، ثم استشهد صاحب الكتاب بأن الصحابة كانوا يعرفون ليلة القدر بعلامات يقدرونها، ومن ذلك قول أبي بن كعب “والله إني لأعلمها”. ليقدم بذلك لفتحه العلمي المتمثل في تحديد ليلة القدر بأنّها ليلة ثابتة، معلومة، في كل عام. ولكن هناك حركة منضبطة لانتقالها خلال العشر الأواخر على التوالي. فأي الرأيين أولى بالإنكار برأيك..؟

 

(3)

في باكستان –  قبل سنوات – كان هنالك مواطن باكستاني مسلم – اشتهر بطول شاربه – يعبر شارع بيتهم في أمان الله عندما لمحه مسلحون من جماعة “عسكر إسلامي” الدينية المتشددة، فقاموا باعتقاله وأجبروه على المثول أمام رجل دين يثقون في “تشدده”، فأفتى فضيلة الشيخ بأن شارب الرجل “لا يتلائم مع الشريعة الإسلامية”. وهكذا قام “عساكر الإسلام” بتنفيذ حكم الشرع في ذلك المواطن، وذلك بأن أقاموا على شاربه الحد. لا بد أنك الآن تبتسم، أعرفها تلك الابتسامة التي نُطلقها باطمئنان في وجه غرائب الآخرين ونحن نُواجه اختلافنا عنهم بقدرٍ وافرٍ من الظن الحسن، ولكن هل تعتقد فعلاً أن شاربك ــ أقصد بلادك ــ بمأمن من هجمات أي جماعات عسكر إسلامي مشابهة لمجرد أنك لا تعيش في شمال غرب باكستان؟. لا أقصد أن أفسد عليك مزاجك بأفكار مُتشائمة، ولكنني أدعوك إلى قراءة ثانية في الخطاب الإعلامي لدعاة “التدين الشكلاني” الذين طال صياحهم – هذه الأيام – واستطال نفوذهم المُركَّب بين إمامة المنابر وزعامة المنصّات السياسيّة..!

 

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى