يفتقد  سيطرة الدولة على زراعته وتصنيعه وتسويقه .. زراعة القطن.. مالها وما عليها

 

الخرطوم: رشا التوم    17 اغسطس 2022م

مشروع الجزيرة قلب السودان النابض بالحياة ومنارته الاقتصادية الشامخة    وأهميته الاقتصادية الكبيرة . اعترت جسده أمراض أصابته بالعلل وقلة المردود الاقتصادي وهدِّدت نسيجه الاجتماعي وأمنه وأمانه وأضرت به سياسات التخبط حينا وسياسات التخريب حيناً آخر .

عجزت حكومة المؤتمر البائدة عن حل معضلاته وتهربت عن دورها الوطني وواجبها نحو مواطنيه، وتخلت عن المحصول الاقتصادي الأول وأسلمته الأجنبي بعد أن خربت  كل البُنى التحتية ودمرت أصوله الثابتة وألغت كل أصوله المتحركة وشرَّدت العاملين من ذوي الخبرات المتراكمة وعلمهم الغزير وأفقرت مزارعيه مخرِّبة اقتصاد البلاد.

 

وبحسب دراسة  أجراها عبد الله حسن محمد سعيد، عن زراعة القطن  يرى أن  بداية التعافي في مجال إنتاج القطن  هو إعادة سيطرة الدولة على زراعة وتصنيع وتسويق القطن، هذا المحصول النقدي الذي سيطرت عليه شركات التعاقد الأجنبية في دولة سيطر عليها سماسرة المال المتلاعبين بحقوق الشعب فأضاعوا حق المزارع وحق الدولة في مردود العملات الصعبة، حيث ضاعت مليارات الدولارات نحن في أمسَّ الحاجة لها ليتعافي الاقتصاد السوداني  .

مشكلات مزمنة

تواجه زراعة القطن في السودان العديد من الإشكالات والمعوقات التي أدت إلى تناقص المساحات المزروعة بالوطن حتى أصبحت لا تتجاوز (500) ألف فدان، في أفضل المواسم . كما انخفض الإنتاج الكلي وقلت إنتاجية الفدان من القطن ويرجع ذلك لتخبط سياسات الدولة وسيطرة مراكز المال وسماسرة الدولة فيما يعرف بالقطط السمان والعجز الإداري الذي تخلى عن الكفاءات واستبدالها بالولاءات وتدهور البُنى التحتية الخاصة بزراعة القطن في المشاريع الزراعية الكبرى فأصبح المشروع يعاني من شح المياه في بعض المواسم إضافة لتدهور التربة جراء الزراعة المستمرة ومعاملتها بالأسمدة والمبيدات الكيمائية بصورة عشوائية مما أدى إلى تلوُّث التربة.

 

وبالتالي ارتفاع تكلفة الإنتاج، وعدم قدرة المزارع على توفير التمويل اللازم لزراعة القطن.

قانون كارثة

مشيراً إلى الدور الكارثي لقانون 2005م، بعد إعلان الدولة لسياسة التحرير  الاقتصادي والتي تسببت في

ارتفاع  تكلفة مدخلات الإنتاج من بذور محسَّنة وأسمدة ومبيدات وآليات،

فضلاً عن  أجور العمال الزراعيين لأداء العمليات الفلاحية المختلفة

والتوسع في زراعة القمح والذرة الرفيعة والمحاصيل البستانية في المشاريع المروية على حساب القطن لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى صعوبات التسويق لعدم وجود بورصة لتسويق القطن أو احتكار تسويق القطن لمؤسسات الدولة  بجانب العقوبات الاقتصادية على السودان وكثرة الضرائب والرسوم والجبايات.

مفارقات

وأكد عبد الله أن هناك  الكثير من المفارقات في مجال إنتاج وتسويق القطن منها أن القطن يقوم بشرائه تجار وسماسرة وليس الدولة أو مؤسساتها

(البنك الزراعي، بنك المزارع  ومؤسسة الأقطان) أو حتى الجمعيات التعاونية الزراعية المتخصصة،وأن من يشتري القطن من هؤلاء السماسرة لشركات أجنبية تعاقدية وليست وطنية في غالبها (الشركات التعاقدية والمحالج الأجنبية).

 

والقطن يباع بالقطار ومعلوم أن القنطار يزن (100) رطل، ولكن يشتري من المزارع باعتبار القنطار يزن (318) رطلاً، بحجة أن الشركة تشتري قطن بدون شوائب (البذرة والزغب) رغم أن القنطار ينتج بعد الحليج (31) رطلاً، من القطن المحلوج وبالتالي يذهب المتبقي كشوائب  و(81 ) رطلاً، فرق ميزان  أين حقوق المزارع في الـ(30) رطلاً، إضافة لسعر البذرة والزغب علماً بأن سعر البذرة والزغب أغلى من القطن.

والسمسار أو الشركة الأجنبية تشتري القنطار زنة الثلاثة مائة وثمانية عشرة رطلاً، بسعرين أحدهما نقداً والثاني بسند مصرفي أجل السداد ومن المؤكد أن بينهما فرق سعر (الربا بضع وسبعون باباً)

 

ورغم الإنتاج الكبير للقطن والذي يحقق مليارات الدولارات (بعد إدخال القطن المحوَّر وراثياً والذي تحوم حوله الشبهات متوسط إنتاج الفدان يزيد عن (51) قنطاراً، لا يجد الرعاية الكاملة من الدولة والذي يتجلى في غياب وزارة الزراعة وإدارتها وغياب دور القطاع الاقتصادي للدولة.

تساؤلات مشروعة

 

وطرح عبد لله تساؤلات حول لماذا لا يتم شراء القطن مباشرة من المزارع للدولة لتحويل بيعه وتسويقه داخلياً وخارجياً؟  ووضع يدها على النقد الأجنبي العائد منه؟ وإذا رفعت الدولة يدها عن شراء المحصول لماذا لا يتم إنشاء بورصة للقطن كالتي كانت في مدينة طوكر بدلاً من احتكار شراء القطن لشركات أجنبية أو مستثمرين بالعملة المحلية ولا هم لهم سوى الربح؟ لماذا لا تتبنى الاتحادات وجمعيات المنتجين التعاونية تسويق القطن من المزارعين وتكسر احتكار تسويقه من الشركات التعاقدية؟ ونسأل عن الشركات التعاقدية التي أصبحت هي الممول الأول لزراعة القطن والتعاقد مع المزارع مباشرة وتحدد سعر التعاقد في غياب تام لدور الدولة الرقابي والمفترض حماية للمزارع ومحصول السودان النقدي الأول ويباع المحصول وشوائبه بالعملات الصعبة التي لا تجد طريقها إلى الاقتصاد السوداني حتى لا يضيع حق المزارع وحق الدولة.

 

سياسة الإصلاح

ورهن  عبد الله، إصلاح الاقتصاد السوداني بالاهتمام  بالزراعة ومحصولها النقدي الأول، ودعا إلى مراجعة تصديقات الشركات التعاقدية وآثارها الاقتصادية ومراعاة حقوق المزارعين والدولة و الولاية .

وإحكام سيطرة الدولة على تسويق القطن وعدم السماح لغير الدولة ومؤسساتها بتسويق القطن مع وجوب ضمان حق المزارع المهدر في البذرة والزغب وفرق الأوزان.

ضمانات العودة

وأكد عبد الله أنه لضمان عودة  القطن للمساهمة في الاقتصاد السوداني يجب توفير التمويل اللازم لزراعة القطن  وتأهيل البنيات الخاصة بزراعته  في المشاريع الزراعية الكبرى مثل: السكك الحديدية والمحالج والمخازن ومصانع الغزل والنسيج ومصانع الزيوت والصابون وغيرها .

وتحفيز المزارع بوضع أسعار تشجيعية و إعفاءات لكل آلياته من الجمارك والرسوم وتوجيه النظام المصرفي لتمويل زراعة القطن بهامش ربح تشغيلي لا يتعدي الـ(3 %) وغيرها من السياسات التشجيعية التحفيزية عند زيادة الإنتاج وجودة النوع في الفرز واتباع الأساليب العلمية الحديثة في زراعة القطن وتوفير معينات الإنتاج

تفعيل دور الإرشاد الزراعي وفتح أسواق جديدة للقطن السوداني وتخفيض

الضرائب والجبايات المفروضة على القطاع الزراعي والإعفاءات الجمركية ومراجعة التراخيص التعاقدية القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى