رئيس المفوَّضية القومية لحقوق الإنسان    د. رفعت ميرغني لـ(الصيحة): نشعر بالقلق بشأن استمرار العنف ضد المتظاهرين..والدولة مسؤولة عن حمايتهم

 

حوار: مريم أبَّشر   16 اغسطس 2022م 

أثارت الصورة التي التقطت لكبير عصابة (9 طويلة) بالنيل الأبيض ونشرها عبر الوسائط مع بعض منتسبي الأجهزة الرسمية سخط المؤسسات وكل المنظمات والناشطين في مجال حقوق الإنسان باعتبار أن الصورة تعد انتهاكاً صريحًا  لحقوق المتهم، أضف إلى ذلك فإن كثيراً من مظاهر التعدي على الحريات من عنف اتسمت به المظاهرات الرافضة للوضع الراهن والمطالبة باستعادة النظام الديموقراطي وجدت هي الأخرى انتقادًا شديداً من المفوَّضية القومية لحقوق الإنسان.

(الصيحة) استنطقت الدكتور رفعت ميرغني ، رئيس المفوَّضية القومية حول ملابسات الانتهاكات التي ترتكب بحق المتظاهرين خاصة استخدام الرصاص الحي الذي راح ضحيته عدد كبير من الضحايا بجانب أعداد أكبر من الجرحى والمصابين.

*شهدت مليونية السودان الموحَّد اعتداءات عنيفة خاصة بمنطقة باشدار، ماهو تعليقكم على الاعتداء على مظاهرة قوى الحرية  والتغيير؟

 

بالطبع نشعر بقلق بالغ حيال هذا العنف المفرط الذي تعرَّض له المتظاهرين من قبل مجموعة الشباب، وهذه ليست المرة الأولى، فقد رصدنا في ٣٠ سبتمبر، من العام الماضي، هجوماً على متظاهرين احتشدوا أمام مقر لجنة إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م، من قبل شباب، ورصدنا هجوماً آخر في أواخر العام الماضي على ندوة سياسية ببحري، ونبَّهنا وننبِّه لخطورة العنف، ونحن قد أصدرنا عدداً من التصريحات طالبنا فيها بحماية المتظاهرين وحماية حقهم في التعبير وفي التجمُّع السلمي، ونعتقد أن مسؤولية الدولة تمتد لحمايتهم من جميع أشكال العنف، بما في ذلك العنف الذي تمارسه مجموعات غير حكومية، طالبنا ونطالب باستمرار ضرورة استكمال التحقيقات حول استخدام القوة المفرطة والمميتة ضد المتظاهرين وتقديم كل من يثبت تورُّطه للمحاكمة العادلة، ونأمل أن تشمل هذه التحقيقات أحداث العنف التي تمارسها بعض الأطراف غير الحكومية، كما نأمل أن يتم تجريم جميع أشكال التعبير غير السلمي وأن يتفق الجميع على أن هذا النوع من الاحتجاجات غير السلمية يهدِّد النسيج الاجتماعي ويهدِّد الاستقرار والأمن. نحن حذَّرنا سابقاً ونحذِّر الآن من التطبيع مع الاحتجاجات العنيفة، يجب أن يتحدث الناس بمنتهى الشجاعة على أن مثل هذه الأشكال لا يمكن تصنيفها تحت مسمى التجمُّع السلمي أو حرية التعبير.

 

*واستمرار سقوط الضحايا من الشباب؟

نحن نشعر بالقلق إزاء استمرار الوفيات الناجمة عن استخدام الرصاص، ونطالب بأن تستخدم جميع التدابير للكشف عن الأشخاص الذين يرتكبون هذه الجرائم، كما نشعر  بقلق _أيضاً_ حيال استمرار إشراك الأطفال في المظاهرات وفي تتريس الشوارع، هذه أعمال مخالفة للقانون يجب أن تتوقف.

 

*د. رفعت ضجت الوسائط مؤخراً بصور تظهر  كبير عصابة (9 طويلة) باكوبي ويظهر بعض أفراد الأجهزة الأمنية إلى جانبه وهو مقيَّد  اليدين احتفاءً بالنصر هل يجوز مثل هذا المسلك، أم أنه انتهاك لحق إنساني للمتهم؟

 

بالطبع يجب أن أشير إلى ثلاث نقاط، اعتبرها مهمة. النقطة الأولى يجب الإشادة بجهود الأجهزة الأمنية فيما يتعلق بتمكين جميع الأشخاص من حقهم في الأمان الشخصي، وتابعنا بقلق بالغ التهديدات والمخاطر والأذى الذي أصاب العديد جراء ما سمي بـ(9 طويلة)، ونؤكد دائماً على أن جهود القضاء على ظاهرة (٩ طويلة) يجب أن تنطلق من منطلقات حقوق الإنسان.

النقطة الثانية أننا مع سيادة حكم القانون وأن القانون يجب أن يسري على الجميع وألا يتمكَّن شخص من الإفلات من العقاب.

النقطة الثالثة أن السيد المذكور ما يزال في نظر القانون الدولي والوطني بريئ بوصفه متهماً، وسيظل يستفيد من قرينة البراءة حتى استنفاده لجميع درجات التقاضي، ويجب أن تحترم هذه القرينة وأن يعامل وفقاً للقانون وأن يُمكن من جميع ضمانات المحاكمة العادلة، وأن يكف الناس عن تداول صوره واسمه، لأن ذلك مخالف للقانون الدولي لحقوق الإنسان ومخالف للقانون الوطني، ولا أدري كيف سمحت جهات إنفاذ القانون بتصويره وتداول صوره بهذه الطريقة؟ وأعتقد أنه من الواجب التحقيق في هذه القضية ومعرفة ملابسات التصوير وانتشار الصور.

 

*ظهور أفراد الأجهزة الأمنية ضمن الصورة  والمتهم يتوسطهم كيف تقرأ المشهد؟

بصراحة شيء مؤلم جداً جداً.

*هل يحق للمتهم فتح بلاغات لانتهاكاك حقه الإنساني؟

بالتأكيد من حق المتهم وذويه فتح بلاغ، وحدث حالات عديدة أن رفعت الحصانة عن ضباط بسبب تصوير لمتهم هو ما يزال متهم، وحتى إذا أدين في جميع درجات التقاضي لا يجوز لشخص أن يصوِّره مقيَّداً بالأصفاد وفي وضع لا إنساني، لا يجوز تصويره إطلاقاً لأغراض التشهير.

*السيد رئيس مفوَّضية حقوق الإنسان الملاحظ أن معظم ضحايا المظاهرات الأخيرة من الأطفال دون سن الـ (١٨)؟

 

استخدام الأطفال في المواكب من الأمور التي نبَّهنا لها مبكراً، هي عمل يخالف القانون الدولي ويخالف القوانين الوطنية، يجب أن تتخذ تدابير على جميع المستويات لمنع تكرار مشاركة الأطفال في المظاهرات أو في أي عمل يعرِّضهم للخطر.

* مازال الرصاص الحي يحصد أرواح  الشباب برغم أن الأجهزة الرسمية دائماً تؤكد أنها تحمي المواكب، برأيك من يقتل الثوار؟

 

أكَّدنا مراراً بأن استخدام الرصاص الحي أمر مدان ومقلق للغاية، في كثير من الأحيان نسمع عن الطرف الثالث، هذا الطرف الثالث يجب أن لا يستمر في القتل، ويجب أن نقول إن مسؤولية حماية المتظاهرين تقع ضمن مسؤوليات الدولة، بمعنى أن الدولة يجب أن تمتنع عن ارتكاب أي انتهاك ويجب أن تمنع الآخرين “وهنا أعني الطرف الثالث” عن القيام بأي فعل يمثِّل انتهاكاً.

*كثيراً ما يتم تداول الطرف الثالث من هم وهل السلطات على علم بهم في تقديرك؟

بالنسبة للطرف الثالث يتم التحدث عنه دائماً إعلامياً، بالنسبة لنا لا  نعرف عنه شيئاً وما يهمنا فعلياً هو أن تقوم الدولة بواجبها في حماية المتظاهرين من جميع أشكال العنف بما في ذلك العنف الذي يرتكبه الطرف الثالث، نعم اتفق معك أن بعض المقاطع وثقت لأشخاص يطلقون النار في الكلاكلة وفي شارع الستين، ومطلوب أن تكتمل التحقيقات حول خلفية إطلاق النار وملابسات ذلك، لا يوجد على الإطلاق تبرير لاستخدام الرصاص الحي في مواجهة المتظاهرين، وحتى في الحالات التي يمارس فيها العنف يجب أن يكون الرد محكوماً بمبادئ الضرورة والتناسب واتخاذ الاحتياطات اللازمة، بمعنى يجب أن يكون الرد متناسباً وغير مفرط وأن تتخذ جميع التدابير حتى لا يؤدي للقتل أو للأذى الجسيم.

*عدد من السودانيين المهاجرين كانوا ضمن ضحايا العنف الذى حدث على الحدود الإسبانية المغربية بمنطقة مليلية هل تطرَّقتم خلال زيارة الأخيرة للمغرب لهذا الملف وحقوق الضحايا؟

استمعت إلى تنوير من السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمملكة المغربية، وقد كنا نتابع جهود المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذه القضية، كما تابعنا جهود الدولتين السودانية والمغربية، وجميعها جهود جيِّدة وقد أكمل المجلس مهمة التقصي ونشر تقرير أوَّلي، وما حدث وفقاً لتقصي المجلس كان مواجهة بين المهاجرين وقوات الأمن، وقد أسهمت ظروف ضيق الممر والاختناق إلى الوفيات والإصابات.

 

وهل يحق لأسر الضحايا التقاضي وأخذ حقوق ذويهم؟

فيما يتعلق بأحداث مليلية الخارجية السودانية وخارجية المملكة المغربية بذلوا جهوداً كبيرة في هذا الصدد، وهو دور -أيضاً- فيه مجهود كبير لسفيرة السودان بالرباط وسفير المغرب بالخرطوم، المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمملكة المغربية هو مؤسسة وطنية مستقلة أجرت تقصياً مهماً ونحن اطلعنا على خلاصاته وتوصياته وهو تقرير مهم في توضيح الحقائق وفي تقديم مقترحات، أعتقد -أيضاً- مطلوب من الدولة السودانية تدابير تشجع الشباب على استثمار وقتهم وجهدهم داخل الوطن، نحتاج إلى مبادرات تقطع الطريق أمام شبكات الاتجار بالبشر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى