كأنها لعبة (توم آند جيري)!!

* أعني بالعنوان أعلاه لعبة (السياسة) التي وصفها بعض عرابيها بأنها (لعبة قذرة)، بمعنى أنها لا تقوم على الوفاق، بل على الخداع، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب ـ غض النظر ـ عن ما سببته هذه المكاسب من (مضار) للطرف الثاني الذي يشاركك الميدان.. وعندما نتحدث عن السياسة وأنها اشبه بلعبة (توم آن جيري) أشهر أفلام الكارتون العالمية نقصد أنها لعبة دائرية المضمار، لا تكاد تصل لنهاياتها حتى تكتشف أنك في مضرب البداية.. وهكذا بدت لنا المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير وبين المجلس العسكري، ما إن تتحرك نحو فعل إيجابي، إلا ونجدها قد عادت أدراجها لمربع البداية، وفوق كل هذا وذاك الشعب ينتظر نهاية الماراثون ليبدأ بخطوة صحيحة في تشكيل حكومة انتقالية تشرع في تصحيح الأوضاع، وتخطو أول خطوات الإصلاح.

* عندما أعلن المجلس العسكري عن إلغاء كافة الاتفاقات السابقة بينه وبين قوى الحرية والتغيير كانت مياه كثيرة قد تحركت تحت الجسر، وفقدت الحرية والتغيير كثيراً من كروت ضغطها الرابحة، ولجأت لأعلى سقف لديها، وهو سلاح (العصيان المدني) وانتهاج نهج التصعيد، لتعود باللعبة السياسية إلى بداياتها الأولى حيث الشد والجذب، ولا غالب ولا مغلوب.. ومثلما بدأت عادت الحرية والتغيير أكثر عقلانية إلى طاولة الحوار، ثم إبداء رأيها حول المبادرة الأثيوبية، ثم المبادرة المشتركة بعد دمج المبادرتين، وهو ذات ما وافق عليه المجلس العسكري، وأعلنه على الملأ، بأنه لا يمانع من العودة إلى المفاوضات، على أن لا تكون مع الحرية والتغيير وحدها، فهناك قوى أخرى فاعلة في المجتمع والساحة السياسية باعتراف الحرية والتغيير نفسها عندما قالت إن 67% من البرلمان لها، والـ 33% للقوى الأخرى!! والسؤال هو ما هي تلك القوى وأين هي؟؟ وهل ينوب عنها المجلس العسكري في التفاوض؟ أم تتحدث نيابة عنها قوى التغيير؟؟ ونقول إنه آن الأوان لتأتي تلك القوى ممثلة لنفسها لتقول رأيها في التفاوض وشكل المرحلة الانتقالية.

* وعندما بدأت إشارات ومؤشرات الاتفاق، واحتمالية العودة لطاولة المفاوضات، عادت قوى التغيير لممارسة ضغوطها على (العسكري) وعلى (المواطن) بإعلانها بداية المواكب يوم الثلاثين من يونيو الماضي، ونقول ضغوط برغم رمزية الشعار أنها (ثلاثينية الشهداء).. لأنها تعود بالناس وبالساحة السياسية إلى مربع التصعيد والتتريس والتظاهر.. نعلم أن الاحتجاج والتظاهر أمر مكفول للجميع بنص الدستور والقانون.. لكن هذا الحق يجب ألا يسلب حقوق الآخرين، ونعني بحقوق الآخرين حقهم في التنقل والحركة وتلقي خدماتهم كافة وقضاء حوائجهم دون مضايقة من جهة.. بالأمس في اليوم الأول من يولو أغلقت جماهير محتجة تتبع للحرية والتغيير شارع الموردة، وذلك في الفترة الصباحية، ما أدى لتضرر أعداد كبيرة من مواطني أمدرمان أو الداخلين إليها من الخرطوم من مستخدميه.. وهو أمر يعد سلباً كاملاً لحقوق المواطن.. لسنا ضد (الاحتجاج) لكننا بالقطع ضد تضرر مصالح الناس.

* عودة الحرية والتغيير من جديد لسلوك قطع الطرقات وقفل المتاريس نعده (انتكاسة) لمشروع الحوار، وهو فعل يؤكد أن العودة لبناء الثقة بين الطرفين لا زال مشواراً بعيد الشقة.. خاصة أن أحد قادتها صرح لوسائل اعلام قائلاً إن مواكب مليونية الثلاثين من يونيو قائمة حتى إذا وصلنا لاتفاق مع المجلس العسكري.. وهو حديث فيه ما فيه من (المعاندة) التي قد تؤدي إلى تباعد المسافة بين الطرفين.. بينما هناك طرف (ثالث) هو موجود في الساحة ويراقب ما يجري وما يدور بين الطرفين.. وعندما نقول (طرف ثالث) نعني أن هناك قوى أخرى غير الحرية والتغيير وغير المجلس العسكري، وهي لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.. وبالقطع لها دورها ومشاركتها وفعاليتها في الساحة السياسية.. وأي (تجاهل) لها يقود إلى مزيد من الخلاف السياسي.

* المطلوب الآن من الطرفين الأساسيين في الساحة السياسية، العودة الفورية وغير المشروطة إلى مائدة التفاوض.. وأن يفسحوا مجالاً في التفاوض للطرف الثالث لأن هذه البلاد لعموم السودانيين، وليست لطرف واحد أو اثنين، فكل أهل السودان شركاء في بناء مستقبل وطنهم.. ونقول كما قال الإمام عبد الرحمن المهدي في السابق: (السودان للسودانيين).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى