السر السيد يكتب : عندما يحتفل راديو أم درمان

6 أغسطس 2022م

احتفلت (هنا أم درمان) باليوم العالمي للراديو وكان ذلك في يوم 13 فبراير الماضي، والذي جاء هذا العام تحت شعار (الراديو والثقة). تحتفل إذاعة الشعب أو الإذاعة القومية كما يُطلق عليها وسؤال الثقة يحتلُّ موقعاً مركزياً في حياتنا. فبعد انقلاب البرهان في أكتوبر الماضي وانفجار الدم في كل مكان، تتَّسع كلمة الثقة لتتجاوز معناها الأخلاقي المباشر لتصبح مشروعاً وطنياً يعيد ترتيب الحياة السياسية في السودان بشكل جديد طليعته -أي هذا الترتيب-  “قوى الشعب الحية” والتي في مقدِّمتها بالطبع “طلائع الشباب والنساء”.

لا يُخفى على أحد خاصة منسوبي الراديو والتلفزيون الحكوميين ما تَحقَّق من مكتسبات في ظل الوضع المدني على علَّاته، ولعلَّ في مقدِّمة هذه المكتسبات اتساع حرية التعبير، والتي كان من نتائجها استعادة الثقة بين جماهير الشعب وأجهزته الإعلامية الرسمية، وضمناً استعادة العاملين في هذه الأجهزة لثقتهم في أنفسهم وفي ما يقدِّمون. فقد شهدت هذه الفترة ولحدٍّ معقول طرح العديد من الموضوعات التي لم يكن مسموحاً بها، وضمناً شهدت استقبال شخصيات من مبدعين ومبدعات ومفكِّرين ومفكِّرات وثقافات ما كان لها أن تُطلَّ عبر هذه الأجهزة لولا ثورة ديسمبر المجيدة. فقد وقفنا على أسماء كبيرة رغم عطائها الكبير لم تُطلَّ على الراديو والتلفزيون إلَّا بعد الثورة، وفي هذا أي خسارة للمعرفة، وأي خجل يُدثِّر هذه الأجهزة العريقة.

يأتي هذا الاحتفال بشعاره الحرج والمحرج “الراديو والثقة” وحكومة الانقلاب تصادر كل (ثقة)، وأولها الثقة في منسوبي هذه الأجهزة، فقد نصَّبت لهم عسكرياً يدير الجهازَين بالخفاء على رضا وموافقة منهم ومن كبيرهم السيد مدير الهيئة الأستاذ لقمان أحمد، فعندما تُنصِّب حكومة الانقلاب حارساً لأخيلة صنَّاع الرسالة في الراديو والتلفزيون، فإنَّ هذا لا يعني فقط عدم الثقة في هؤلاء الصُنَّاع، وإنما يتعدَّى إلى عدم الثقة في تجربة وخبرة وتاريخ هذين الجهازين العريقين. وبصمت وقبول هؤلاء الصنَّاع ومديرهم على هذا الوضع المزري يكون راديو أم درمان قد انتهك شعار الاحتفال لهذا العام وبجدارة، إذ لا يمكن أن يكون للراديو علاقة بالثقة ومنسوبيه لا يُوثَق فيهم ولا يثقون في أنفسهم، وبالتالي لا يثقون في ما يقدِّمون من رسائل.

يأتي هذا الاحتفال، والذي ينتهك الثقة علناً وبرضى تام، ليحتفل بافتتاح بعض الأستوديوهات قافزاً وبتعمُّد أو سهو فالنتيجة واحدة_ قافزاً على إرث راديو أم درمان الذي يتعرَّض للتلف بسوء التخزين حيث لا تكييف ولا أرشفة إلكترونية ولا يحزنون، أو بالنهب المنظَّم الذي تقوم به بعض القنوات والراديوهات. يضاف إلى هذا التراجع الكبير في مكتسبات حرية التعبير، على أنَّ الأكثر دهشة هو الغياب المتعمَّد للهيكلة الإدارية لهذين الجهازين ممَّا جمع كل السلطات في يد مدير الهيئة، ولك أن تعلم أنَّ الأستاذ لقمان هو مدير الهيئة ومدير التلفزيون ومدير الإذاعة ليس عبر معطى التسلسل الهرمي وإنَّما مباشرة وبالأصالة، حيث لا يوجد مدير للإذاعة ولا مدير للتلفزيون! ولك أن تعلم أيضاً أنَّ هذه الهيئة ليس لها مجلس إدارة كما كان موجوداً قبل الثورة.

حتى يكون للراديو علاقة بالثقة، وفقاً لشعار هذا العام، فيجب أولاً وقبل كل شئ أن يغادر العسكري الرقيب الموجود في الإذاعة والتلفزيون وأن يُشكَّل مجلس إدارة للهيئة، وأن يعود مدير الإذاعة ومدير التلفزيون، وقبل كل شئ، أن نستعيد ما حقَّقته هذه الأجهزة عبر تاريخها وما حقَّقته بعد الثورة خاصة في ما يتصل بحرية التعبير..

هذا الوضع يدمِّر المهنية ويدمِّر الثقة ويعزل راديو أم درمان عن جماهيره ويصادر دوره في التنوير والنقد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى