Site icon صحيفة الصيحة

أحمد حسين آدم يكتب :نحو منهجية شاملة لتقييم الانتقال الديمقراطي السوداني

بقلم

 

 

5 أغسطس2022م

 

اطلعت في وسائط التواصل الاجتماعي عن مجريات الورشة التي عقدتها صحيفة “الديمقراطي” حول تقييم “الفترة الانتقالية”، وهنا، انتهز هذه السانحة لأُحيي أسرة الصحيفة، وأخص بذلك الأستاذ الحاج وراق الذي قدم مساهمات وطنية قيمة في إطار التغيير، وتصويب، وتصحيح مسار الانتقال الديمقراطي الذي تنكبّت النخب في السير فيه لتحقيق أهداف الثورة المجيدة.

بادي ذي بدء، أرحب وأشجع أي جهد نقدي وتقييمي للتجارب والمبادرات الوطنية والإنسانية، بيد أني مثل كثيرين من بنات وأبناء شعبنا، كنت – برغم السنة الحميدة للتدارك النقدي لدى صفوتنا – أطمح وأرجو عملاً أكثر شمولاً وعُمقاً ومنهجية عن الذي تمّ وأُنجز في الورشة التقييمية، وذلك من ناحيتي الشكل والموضوع:

أولاً: عنوان الورشة الذي جاء تحت مسمى “تقييم الفترة الانتقالية” ليس دقيقاً، حيث أُدرك أن المنظمين ربما يقصدون تقييم ما انقضى من الفترة الانتقالية، أي الفترة أو المرحلة التي تولّت فيها قِوى الحُرية والتّغيير (المجلس المركزي) مقاليد الشأن الوطني ممثلة للمدنيين. لكن بما أن الورشة تقييمية ويشارك فيها قادة الحرية والتغيير كان يجب أن تكون سقوف المعايير عالية على المُستوى النظري والعملي، وأول ذلك أن يضبط ويدقق في استخدام المصطلح، عِوضاً عن إهماله، والذي بلا شك يمثل آفة من آفات الممارسة السياسية في بلادنا.

فالتخبُّط وعدم الدقة في استخدام المصطلحات والتعابير دائماً يقودنا إلى التشخيص الخاطئ، وبالتالي نُفضي إلى الحلول والنتائج الخاطئة. المهم كذلك في السياق، هل التقييم تمّ بناءً على استراتيجية وخُطة مُحدّدة ومُوحّدة أُعدت سلفاً للانتقال الديمقراطي، أم أن العملية تنهض على اجتهادات كل مجموعة أو حزب أو حركة؟!

 

ثانياً: إن تجارب عمليات وجهود التقييم الناجحة والمسؤولة دائما تُعقد و تنفذ من أسفل الى أعلى Button Up Process وليس العكس، ذلك أنّ من أكبر أخطاء التجربة السابقة هو “فوقيتها وصفويتها ونخبويتها” المُريعة، والتي تجاوزت شرائح وجماهير الثورة، حيث كان ينبغي لها أن تستفيد من ثمار ومنافع الثورة، بل كان ينبغي أن تكون عملية التقييم فرصة ثمينة لانخراط الحرية والتغيير مع الجماهير لتجديد العمل معها من أجل دفق ثوري جديد يعيد مسار الانتقال الديمقراطي إلى مساره الصحيح، لكن الذي شهدناه كان عملاً فوقياً خرطومياً بامتياز، حيث غابت عنه الشرائح العريضة من جماهير شعبنا الذين دفعوا أثمانًا غالية دماءً وأشلاءً وفقداً في مسيرة التغيير والثورة، أعني مئات الآلاف من أسر الشهداء من اليتامى والأرامل والثكالى، والملايين من النازحين واللاجئين وضحايا الحروب، والعُمّال والمزارعين والنساء والشباب والطلاب وفي مقدمتهم شباب لجان المقاومة الغيارى وغيرهم من أبناء وبنات شعبنا الذين لهم مصلحة حقيقية في التغيير الجذري والحقيقي والثورة الكاملة.

 

أقول ذلك، لأنّ الفاعلين الرئيسيين هم أساس ونجاح أو فشل الانتقال في كل التجارب الإنسانية المُوثّقة، ولا شك أن الحرية والتغيير بكل مُكوِّناتها وفصائلها لا تمثل كل الفاعلين الأساسيين في عملية الانتقال الديمقراطي، وبالتالي لكي تكون عملية التقييم جادة ومسؤولة كان ينبغي أن تكون شاملة من ناحية المُشاركين من أصحاب المصلحة الأساسيين، إضافةً إلى الشمول من ناحية القضايا والموضوعات التي تتعلّق بمرحلة الانتقال الديمقراطي، إذ أنّ هذا هو المدخل العلمي والمنهجي للتقييم الناجح، اللهم إلا إذا كانت الورشة تتعلق بعملية تقييم تنظيمية داخلية في إطار مكونات الحرية والتغيير المجلس المركزي.

 

ثالثاً: كان ينبغي أن يكون واضحاً من هُم المعنيون بالمخاطبة في عملية التقييم The Targeted Audience هل هم الفاعلون في المجتمع الإقليمي والدولي أم جماهير الشعب السوداني؟ أخشى أن تكون المجموعة المستهدفة بالمخاطبة من خلال الورشة هي المجموعة الأولى، ومهما يكن من أمر فالشعب السوداني هو أولى بالمُخاطبة عبر عملية تقييم حقيقيّة تشارك فيها كل قطاعاته وقواه الحيّة المُجتمعية في كل بقاع السودان بشفافية وعلمية.

 

رابعاً: على الرغم من عدم مُشاركة رئيس الوزراء الانتقالي الدكتور عبد الله حمدوك في مشهد التقييم النقدي للورشة، شاهدنا كذلك أن أغلب الذين كانوا كمقدمين للأوراق أو مُناقشين أو مُديرين للجلسات مِمّن شاركوا في مؤسسات الانتقال سواءً كان ذلك في الوزارات أو مؤسسات الحرية والتغيير المجلس المركزي التي تشرف على الانتقال، أو بعض الذين يرتبطون بالحرية والتغيير بشكل أو آخر. لا شك أنّ هذه الحيثية قد خصمت كثيراً من جدية وفعالية الورشة، الأمر الذي أسبغ عليها وصف العملية التنظيمية الداخلية التي تجانبها الشفافية والمنهجية.

 

خامساً: على الرغم من إشادتي بروح المسؤولية التي تحلى بها بعض المُشاركين الذين قدّموا اعترافات واعتذارات بالأخطاء والفشل، بيد أنّ عمليات التقييم الجادّة والمسؤولة تعقبها إجراءات وتدابير جادّة ومسؤولة في إطار الإصلاح وتصحيح المسار إذا كان ذلك عبر مراجعة الرؤية والاستراتيجية، إضافةً إلى التغيير في الرموز والقيادات، نرجو أن يكون هذا هو الاتجاه في المُستقبل القريب.

 

أخيراً, لا أريد أن أردِّد المقولة المكرورة “الوطن في مفترق طرق”، لكن واقع الأزمة وتعقيداتها واضح شاخص. بلدنا في مأزق مصيري ووجودي، ولذا يجب علينا جميعاً التّحلِّي بالإرادة السياسية الصادقة لإيجاد مخرج استراتيجي بعيداً عن مصير سيناريوهات التشظي والانهيار والحرب الشاملة. وعلى النخبة التي بدات السير نحو مراجعة تجاربها السابقة يتطلب منها الواقع المتضعضع أن يأتي النقد الذاتي معبراً عن رؤية جمعية مُستلهمة من جماع النقاشات الحية لكل السودانيين المعنيين بتأسيس دولة المواطنة التي تسع الجميع.

 

فالمزيد من ممارسة المراجعة النقدية والتقييم المنهجي لتجاربنا السياسية مع ضرورة الحاجة إليه، فإنّنا نرجو من الإخوة في الحرية والتغيير المجلس المركزي، وشمول قوانا الديمقراطية، أن يستفيدوا من كل النقد الذي صاحب مشروع الورشة ومداولاتها وألا يكتفوا بهذا الجهد، وإنما يدعو في المستقبل إلى تدارس لتجربة الانتقال يُشارك فيها كل الراغبين والفاعلين لتحقيق سلامة ونجاح وسلاسة الانتقال وصولاً إلى إنجاز ملفات الانتخابات، وتوطين الديمقراطية، والسلام المُستدام، وإقامة فسطاط العدالة، والازدهار الاقتصادي، والمُساواة الاجتماعية.

 

Exit mobile version