Site icon صحيفة الصيحة

طابت أوقاتكم

أيها الأشقياء المبعثرون في أرض الأرق.. على كل الشوارع التي تشتكي حصاها وعقوق الأسفلت المشتعل بصهد الهجير.. طابت أوقاتكم وأنتم تعاقرون الحيرة وتبحثون عن الحقيقة المجردة في زمن لم يعُد فيه للحقائق موطئ قدم..

أحدثكم اليوم من قلب الليل.. حيث تمنّع النوم وأبى.. واختنقت أنفاسي بالحر والرطوبة.. فقد عنَّ لأهل الكهرباء اقتطاعها الآن في هذا الوقت المتأخر من الليل في إطار تحالفهم المزمن مع جيوش البعوض وقوات الأفكار السوداء التي تناوش رأسي بأسلحتها وعتادها الثقيل وأنا لا حول لي ولا قوة.. ولا أعرف تحديداً لماذا يختارون على الدوام هذا الوقت العسير ليمنعوا عنا هواء المراوح المؤكسد نحن الذين أرغمتهم الظروف على السكن في تلك العلب الاسمنتية القميئة مفتقدين النسيم العليل المشبع بالأوكسجين الصالح للرئتين؟!!

لقد درجت العادة على اقتطاع التيار الكهربائي نسبياً وفق جدولة عقيمة نهاراً.. وهذا نستعين عليه بالصبر والتأفف و”هبابات” الصحف والتنقل في زوايا المنزل بحثاً عن بعض الهواء.. ولكننا نموت ونحيا ليلاً ونحن نشعر بالعجز الكبير أمام بكاء صغارنا وعذاب كبارنا وهم يغرقون في العرق.. فلمن نشكو هذا التراجع المريع في بديهيات الحياة؟! وحتى متى نظل على حالنا المحزن وقلة حيلتنا وهواننا على أولي الأمر فينا؟!

إن التيار الكهربائي الذي ندفع ثمنه مقدماً ولا نملك الحق في التمتع به وفق رغباتنا ومزاجنا لم يعد بأي حال من كماليات الحياة في أي مكان في الدنيا إلا في بلادنا المسكينة.. أقول هذا ويطوف بالخاطر حال أهلنا في القرى والحلال والهامش المهمش الذين لم يحلموا بعد بانتظام الكهرباء ومياه الشرب!!

طابت أوقاتهم وأوقات كل الفقراء الذين يفترشون الأحلام على حافة الإنسانية ويخشون السقوط في جب النسيان.. أبحث في قلب هذا الليل عن كتف يصلح للبكاء.. أو جدار يصلح للاستناد فلا أجده.. فسلام على الذين تعمدوا أن يلقوا بنا في بحر الظلمات وتركونا للوحدة والذكريات التي يؤلم اجترارها أكثر من ما تحمله من سعادة قديمة..

ويا أيها الأعزاء القابضون على جمر الأسى بقلوب واجفة تصطف على رصيف الترقب على أمل النجاة من قهر الحياة.. لكم أقول أن لا سبيل لذلك بحسب اعتقادي سوى الموت الرحيم.. فطابت أوقاتكم وأنتم تنتظرون حتفكم دون أن تعيشوا الحياة كما يجب.. وتظل سعادتكم معلقة على حبال السراب..

طابت أوقات الأمهات النائحات وهن يلوّحن لطيف فلذاتهم الراحل.. ولا تزال ضحكاتهم متشبثة بمقابض الأبواب.. رغم إهراق أرواحهم في سبيل الوطن بعد أن سقطوا في فخ الخديعة من أصحاب الأجندات الخاصة, تجار السياسة, الباحثين عن أمجاد ومكاسب شخصية يدفع ثمنها الأبرياء أصحاب الحماس والعنفوان الذين لا يريدون من الدنيا سوى عيش كريم ورغيد وحلم مؤجل..

طابت أوقاتكم جميعاً برغم الظلام الحالك والحر القائظ.. وسلام لكل حبيبة تخبز نكهتها مع حلم رصيفاتها وترسل مكاتيبها الغرامية لحبيب بعيد سلبت أرصفة الغربة شبابه الغض..

تلويح:

نحن الذين نمنح الوقت طيبه وطيبته..

Exit mobile version