خمسة متاريس

    * لو افترضنا أن قوى الحرية والتغيير اتفقت مع المجلس العسكري وآل إليها أمر تشكيل الحكومة بنفس الاتفاق السابق غير الموقع؛ أو تم قبول المبادرة الأفريقية بعد التفاوض حولها هل ستعلن (قحت) حكومتها مباشرة وتستطيع تلك الحكومة أن تستمر؟ أشك شكاً يقرب لليقين أنها تستطيع. ويتمترس هذا الشك (اليقيني) خلف خمسة متاريس كبيرة هي التي ستقف أمام تشكيل الحكومة واستمراريتها.

   * فالمتراس الأول يتمثل في الاختلافات الجوهرية بين مكونات (قحت) فهي تضم تيارات سياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ورغم أن العمل للانفراد بالسلطة ظل يوحدها شكلياً إلا أن خلافاتها حتى حول دور المجلس العسكري في الثورة وفكرة ضرورة وجوده الفاعل في السلطة الانتقالية فَرَّقَها أيدي سبأ. وينطبق عليها ما ظللنا نقوله ونكتبه: أن من لم يوحدهم المَغْرَم، لن يوحدهم المَغْنَم. قلت هذا أول ما قلته في ثمانينات القرن الماضي حول المجاهدين الأفغان الذين كانوا يقاتلون تحت ثماني رايات، فكان الذي كان بعد إزالةِ حكومة بابراك كارمال من كابول ثم دحرِ القوات الروسية وإجلائِها من أفغانستان. عليه وفي ظني وليس كل الظن إثم أن (قحت) لن تتفق على حكومة تمثل كافة أطرافها المتشاكسة قبل طبخ كيكة السلطة فما بالكم بعد إخراج الكيكة (الشهية) من الفرن للمحاصصة والاقتسام؟!

   * والمتراس الثاني هو الشباب الذين غذوا الثورة بعرقهم ودمائهم وجهدهم هل هم حقيقة راضون بصديق يوسف ومحمد يوسف الرفيقين غير الشقيقين (السَّبعينيَّين) الذين يتحدثان باسمهم ويحدثان نفسيهما بحكم السودان؟! وأمثالها في (قحت) كثيرون.

   * وأما المتراس الثالث فهو (تنسيقية القوى الوطنية) وهذه التنسيقية تضم (179) كياناً حزبياً وشبابياً ومنظمات مجتمع مدني.. وهي لن تسكت عن انفراد (قحت) بالسلطة الانتقالية وتخويل نفسِها مُشَرِّعاً ومنفذاً وسيداً كل السيادةِ أو جُلِّها على البلاد لثلاث أو أربع سنوات بلا تفويض من الشعب، مع أن الديموقراطية هي من مطلوبات الثورة.

   * والمتراس الرابع هو الاقتصاد المنهار والضائقة المعيشية الجاثمة على بطون الغلابة الضامرة رغم مباصرة المجلس العسكري للأمور خلال الأشهر الثلاثة التي قضاها في (المجابدة) بينه وبين (قحت) حول المجلس السيادي!

   * وأما المتراس الخامس فهو أمن السودان بعد أن وضعت (قحت) نفسها في موقف العداء الصريح ضد الأجهزة الأمنية التي أنفقت الدولة على تأهيلها من مال الشعب ما أنفقت.

   * مالم يفهم الجميع أن حكومة الفترة الانتقالية لها مهام محددة تتمثل في تسيير أمور الدولة حتى الوصول إلى الانتخابات. وأنها ينبغي أن تكون حكومة توافقية لا معارضة لها وأن للقوات النظامية دوراً رئيساً في مرحلة الانتقال حتى تعبر البلاد من الحالة الثورية إلى الشرعية الدستورية؛ فإن الأمور قد تَصِير إلى ما لا يبتغيه المَسِيْر لا سمح الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى