خالد شقوري يكتب : (زمن الدكاكيني)

30 يوليو 2022م

سبحان مغيِّر الأحوال، في كل العصور والأجيال الناس يفعلون الحرام ولا جدال في ذلك، وكلنا لم نسلم من ذلك إلا من رحم ربي وما يفعله هذا الجيل كان يفعله الجيل السابق والأسبق والأسبق، ولكن الفرق، أن ما يفعله هذا الجيل في العلن وبجرأة كان يفعله الجيل الذي سبق في الخفاء وبحياء.

وللأسف ارتبط الغناء الهابط قديماً وحديثاً بالخلاعة وتعاطي المحرمات وممارسة الفجور، ولكن قديماً كان تمارس هذه الأفعال في الخفاء وفي ستر الليالي والبيوت ولا يجرؤ أي فنان أن يقدِّم مثل هذه الأغنيات على مسرح أو حفل عرس محترم، أما في أجهزة الإعلام فهذا من ثامن المستحيلات وكثيراً ما رفضت لجان النصوص العديد من هذه الأعمال بحجة خدشها للذوق العام، ولخصوصية هذا اللون من الغناء أطلق عليه الغناء (الدكاكيني)، والفعالية التي يقدَّم فيها كانت تسمى (حفلة دكاكينة)  والشائع أن بعض هذا الغناء الخفيف كانت تتغنى به الفتيات في بيوت الأعراس ومراسم رقيص العروس ولم يكن بهذا السفور والبذاءة،

ويكاد يكون أغلب الفنانين (المحترمين) قد تغنوا بهذا اللون من الأغنيات  في          (قعداتهم) الخاصة ومن أمثلة هذه الأغنيات ( ست نفيسة المدرسة والبابور جاز .. ويا حاجة دقي لينا كاروشة) وغيرها من الدكاكينيات، ورغم ذلك كانت أقل بذاءة وهبوط، وذات الفنانين الذين يتغنون بهذه الأغنيات عندما تراهم على المسارح وأجهزة الإعلام وحتى بيوت الأفراح تجدهم في كامل هندامهم وأناقتهم  ولا فرق بينهم وبين المهندس والطبيب والأستاذ الجامعي، ويقدِّمون خلاصة الغناء الشعر المحترم والألحان الفخيمة  وهم بذلك يحققون احترامهم للمجتمع ولفنهم.

وكان الفنانون والفنانات الذين لا يتغنون إلا بالهابط من الغناء لا يجدون فرصتهم في أجهزة الإعلام والمسارح، ولم يكن هنالك قانون يمنع، ولكن تماسك المجتمع وضوابطه فرض عليهم الظهور في دوائر ضيِّقة  تشبه غنائهم  وما وصلنا من هذا اللون كان عبر تسجيلات الكاست التي يقومون بتسجيلها (دكاكينياً).

أما الآن فقد انقلبت الصورة تماماً  وأصبح هذا اللون من الغناء يقدَّم على المسارح الكبيرة وأجهزة الإعلام والوسائط وصارت الخلاعة هي العنوان الأبرز للمغني والفجور هو المسيطر على سلوك العامة من مغنيين وجمهور، أما الخمر  والمخدرات فهي في مقام الشاي والقهوة، ونشأ هذا الجيل على أن أصل الغناء هو هذا العبث، أما اللون المحترم والرصين فعندهم نوع من التخلف حتى كاد أن ينزوي وتحوَّل إلى القعدات الدكاكينية أو المنتديات التي أصبحت ملاذاً لأصحاب الغناء الرفيع.

والمؤسف أن الإعلامين والمخرجين المناط بهم اكتشاف المواهب وتقديمها   صاروا يتصيَّدون حثالة الفن من الوسائط بمعيار (الترند العالي)  ولا يتحرَّجون في تقديم أي مغنى أو مغنية نال النصيب الوافر من المتابعات والإعجابات دون النظر إلى مضمون ما يُقدَّم، وهنا يكمن الخطر.

والمؤسف أكثر وأكثر أن الكثير من الأسر المحترمة عندما يأتي أوان أفراحهم  يهرعون إلى  التعاقد مع قون أو قونة  بحجة أن هذا مطلب العروس أو صاحبات العروس أو أصحاب العريس رغم أن (رب الأسرة) من المنتقدين والرافضين لهذا اللون من الغناء والمغنيين ورغم ذلك  تجده في (الدارة) يخوض مع الخائضين،

أما موضوع الرقيص على المسارح،  فهذا أمر آخر، وأما غناء تلك الكائنات  المائعة فيمثل آخر درجات السقوط الأخلاقى لهذا المجتمع.

نسأل الله اللطف والتخفيف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى