كيف نؤسس لدولة الحرية والسلام والعدالة؟؟!

* في وقت أبدى فيه المجلس العسكري الانتقالي استعداده لجولة جديدة من المفاوضات على أساس المبادرة المشتركة (الأفريقية الأثيوبية) مع قوى الحرية والتغيير.. في هذا التوقيت ذهبت قوى الحرية والتغيير لتنظيم موكب الثلاثين من يونيو، وبرغم أن الموكب كان حاشداً وقوياً وأوصل عدداً من الرسائل، لكن المؤشر العام حول (الموكب) أنه أعاد إلى الأذهان مجددًا أجواء (التصعيد) والتوتر في الساحة السياسية.. وبهذا الموقف تكون قوى الحرية قد انتهجت نهجاً يتنافى مع الاستقرار السياسي والتوافق المطلوب بين مكونات الساحة السياسية، لكن يبدو أن تنظيم الموكب كان القصد منه المزيد من الضغوط على المجلس العسكري، حتى تدخل الحرية والتغيير مضمار التفاوض وهي أكثر قوة، خاصة أنها فقدت كثيراً من أوراقها الرابحة في الفترة السابقة.

* عدم الاتفاق والتوافق بين مكونات الساحة السياسية يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب، وعدم الاستقرار.. ويعتبر مدخلاً مباشرًا للفراغ الدستوري الذي أنتجه الوضع الحالي الذي جمّد الدستور السابق، في ظل تطاول حالة (عدم الاتفاق) التي من شأنها التسريع في تشكيل وتكوين الحكومة ومؤسساتها التنفيذية والسيادية، وخيراً فعلوا أن توافقوا على تجميد أو ــ إلغاء ــ ما يسمى بالبرلمان، لأنه متعارَف عالمياً أن الحكومات الانتقالية لا يكون من ضمنها البناء التشريعي، الذي يؤسس على الانتخاب ورأي الغالبية عبر الانتخابات.

* أنتج عدم التوافق بين المجلس العسكري والحرية والتغيير تطاول خطوات التفاوض ثم تعليقها، ما أدى لنشاط المبادرات الدولية التي ستراعي قبل كل شيء الأجندات الدولية.. بينما إذا توافقت الأطراف في الساحة السياسية على أطر وأشكال الفترة الانتقالية، كانوا وصلوا في وقت وجيز لتكوين وتشكيل الحكومة التي تضرر من عدم وجودها المواطن العادي الذي ظل يعايش أزمات متتالية في معاشه اليومي، وأدى هذا التأخير في تكوين الحكومة المختلف حولها، إلى غياب الخدمات الأساسية المقدمة للمواطن بسبب عدم وجود حكومة تضطلع بها، الأمر الذي كان له انعكاسه الكبير على الأسواق وتوفر احتياجات المواطن، إضافة إلى ما يشبه الغياب للجهات الرسمية المعنية بتقديم الخدمات للمواطن.

* نهج التفاوض والحوار بين كل الشعوب المتحضرة هو السبيل الوحيد للوصول إلى (صيغة) ترضي جميع الأطراف، خاصة في الحالات التي تشبه حالة السودان، والتي يحتاج فيها الناس لتأسيس هياكل الفترة الانتقالية التي ستقود إلى قيام الديمقراطية وتؤدي للتداول السلمي للسلطة، وحتى لا تصبح السلطة نفسها موقع احتراب وصدام، خاصة أن كل تجارب التاريخ أثبتت أن جل خلافات السياسيين التي تقود إلى الاحتراب والنزاع والاقتتال تقوم حول السلطة.. وهذا يدعونا للتركيز على الاختيار السليم لهياكل الفترة الانتقالية المفضية لتداول حقيقي للسلطة بوسيلة الانتخابات النزيهة والشفافة التي ترضي جميع القوى.

* هذا التطور المنهجي لحسن إدارة الفترة الانتقالية، بلا شك سيقود الجميع لما يعرف بالهبوط الناعم لمرحلة جديدة من التوافق السياسي، ويجنب البلاد سيناريوهات الفوضى وعدم الاستقرار، خاصة إذا جاء مصحوباً بخطاب مُتسامِح يحترم الآخر، ويخلو من خطاب الكراهية وزراعة الفتن ودعوات الإقصاء التي مُورِست في الفترة الأخيرة على أوسع نطاق.

* كل السودانيين من حقهم الاصطفاف السياسي أياً كان، ويجب أن يعطى هذا الحق للجميع، دون حماية للفساد واستغلال النفوذ، في ظل دولة قانون لا مكان فيها لفاسد أو مستغل لسلطته ونفوذه، ويعلو فيها صوت الحكمة والعقل الذي يسمح للجميع بالبناء ويستطيع أن يعاقب كل المخربين الذين يعملون ضد إرادة شعوبهم.. نرنو لدولة خالية من الاستبداد السياسي وكبت الحريات، فالجميع أحرار فيما يؤمنون به، لكن الأهم أن نختلف وفقاً لمقتضيات القانون.. عندها فقط نستطيع أن نؤسس لدولة جديدة قوامها السلام والحرية والعدالة.

      

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى