ثقافة السوبرمان..!!

إن واقع وطبيعة الصراع السياسي السوداني لا تحله المسكنات والحلول الجزئية حتى إذا حدثت تسوية واتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، وتقاسما مقاعد الحكومة الانتقالية بهياكلها المتفق عليها، وذلك لاختلافات قوى الحرية والتغيير نفسها وتحدثهم بأكثر من لسان، فهي من طبيعة ومسارات الصراع السوداني وجذوره التي تحتاج إلى حلول تخاطب أبعاده بزواياها المنطوقة والمسكوت عنها بتفصيلاتها (التاريخية ـ الجغرافية والبيئية والنفسية).

 تلك التفصيلات المتنوعة وإن تغافل عنها الكثيرون هي أنساق ومنطلقات الصراع السياسي بكل أشكاله ورواياته التأريخية المعروفة، فأي حلول لا تنطلق من حجر زاوية الصراع الحقيقية الذي أنتجته تكون تحوم حول الحمى وعناصر إضافية تكبل المعالجات أكثر من أن تتيح لها فرصاً لعلاج أمراض الوطن التي أعيت المداوي على مر التاريخ.

 إن ثورة الشباب التي بدأت مؤخراً سبقتها ثورات عنيفة بمسميات ومبررات مختلفة يتفق الناس أو يختلفون حولها وأبرزها التمردات في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور والتي استقطبت في الآونة الأخيرة بل حفزت مناطق أخرى حتى شمال السودان في مناطق المناصير وغيرها فهي تأزمات قد لا تجد لها قواعد معيارية منطقية، لكنها كانت تنطلق من حجية تتطلب حواراً ونقاشاً لتفنيدها وتبريرها من المناصرين لها بغرض تسوية جذورها والتوصل إلى قناعات مشتركة بعدم منطقيتها وتجاوزها بصورة نهائية مصلحة استقرار الوطن.

 إن الرؤية التفكيكية القاصرة لجغرافية السودان التي تستند على أن يكون السودان دويلات صغيرة مشتتة غير متماسكة بل متصارعة لا تزال حاضرة في أذهان صناع الأزمات ومن يقفون خلف تغذية الصراع السوداني، فهو واقع حقيقي وليس تأويلات ورؤى خيالية، وإنما قناعات من آخرين بعدم ترك السودان دولة كبرى بمساحاته الشاسعة، ولابد من تفكيكه فهي نوايا ربما مدسوسة او مضمرة، لكنها حقيقة لابد من التعامل معها بجدية وعقل استراتيجي بتسوية جذور الأزمات التي هي مداخل للآخرين في شؤوننا الداخلية.

 إنني كلما دققت في أجندة وتصورات أحزاب المعارضة الداخلية المدنية في مكون قوى الحرية والتغيير أكاد لا ألمح أثراً جاداً يقود لتسوية تقضي على منصات الحروب، وظني هذا يؤكده حملة السلاح شركاء الحرية والتغيير والموقعين على بيانها ليس أقلها حديث القيادي بالجبهة الثورية التوم هجو وآخر تصريح وليس أخيراً لكبير مفاوضي حركة العدل والمساواة أحمد تقد لسان في حواره مع أجهزة الإعلام عقب لقائهم بنائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول أحمد حمدان دقلو قال تقد: (السلام ليس أولوية في وفد قوى الحرية والتغيير المفاوض مع المجلس العسكري).

هذا أنموذج يؤكد أن الحلول المطروحة من قبل قوى الحرية والتغيير جزئية وخارج السياق البنيوي لطبيعة الصراع وربما الأمر يرجع لخبرة الشباب الذين يفاوضون وهم منطلقون من خلفيات مختلفة معظمها أقرب للنقابية الطلابية التي لا تجيد التحاور والتناظر واحترام الاختلاف فهي روح قد لا تؤهلهم لإعمال العقل للوقوف على أصول وحقائق الصراع ونقاشه بصراحة حتى الوصول إلى مراميه وطبائعه والعقليات التي تقوده، فهذا مؤشر لابد من الانتباه إليه لأن المجلس العسكري بتجربة قياداته العملية، ربما يدركون خطورة بعض عناصر الصراع إذا لم يتحسب لوجهة نظرهم ولم تشملهم التسوية، فقد يصبحون نواة لصراع جديد، وهو اكثر خطورة لأنه ربما لم يعد صراعاً سياسياً كما كان في الماضي، فقد يتحول إلى نحو آخر منظم يفوق التصور والتأمل حتى لمن يملكون صفاء الذهن ودقة التركيز، وأخشى أن يسهم التحول الجديد في مساعدة أصحاب العقول التفكيكية المريضة الساعية إلى تمزيق السودان وتشتيت شمله في تحقيق أهدافهم الإستراتيجية .

  نحن بحاجة إلى حلول شاملة ومتمردة على كل القوالب التقليدية السابقة، حلول فاحصة بمجهر دقيق لتفاصيل أسباب الأزمة السودانية ومنتبهة لخطورة الروح الإقصائية والاستبعادية الانتقائية المسنودة بهوى النفس والحكم التي ظل البعض يمارسها فهي التي ستوردنا المهالك.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى