الخبير الاقتصادي المصرفي د. لؤي عبد المنعم في لـ(الصيحة): لهذه الأسباب الأسعار في زيادات مستمرة

 

 حوار: سارة إبراهيم      7 يوليو 2022م 

قال الخبير المصرفي د. لؤى عبد المنعم: إن هناك شكوكاً حول دقة قياس معدَّل الزيادة في الأسعار من قبل الجهاز المركزي للإحصاء، كونه متزايد وليس متناقصاً عن العام الماضي، وأشار إلى تراجع إنتاج المصانع، وخرج عدد كبير منها من دائرة الإنتاج ما اضطر البعض إلى زيادة الأسعار لمواجهة مخاطر الانسحاب من السوق في ظل غياب تام للرقابة الحكومية. (الصيحة) جلست معه وخرجت بالحصيلة التالية  :

* قراءات حول الارتفاع المتواصل للأسعار؟

ارتفاع الأسعار في السودان برغم ثبات سعر الصرف نسبياً بعد تطبيق نظام التعويم الحر يعود إلى عدة أسباب، بعضها داخلي و الآخر خارجي .

**ماهي تلك الأسباب؟

بالنسبة للأسباب الداخلية فإن أسباب زيادة الأسعار لا ترجع كما يعتقد البعض إلى زيادة العرض من النقود، وبالتالي انخفاض قدرتها الشرائية فحسب، بل السبب الرئيس يعود إلى شح الاحتياطات من العملات الأجنبية. حيث تعود زيادة معدَّل التضخم إلى العام 2017م، عندما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من (693.5) مليار جنيه، في نهاية (2016م، إلى (957.5) مليار، في نهاية 2017م، و قد تزامن ذلك مع زيادة حجم الاستيراد غير المدروس والطلب على الدولار في السوق الموازي، وكانت الصادرات مستقرة نسيباً ولم تزد بسبب معوِّقات لوجستية وزيادة في الجبايات وعدم التوظيف الأمثل للتمويل، مما أدى إلى تراجعها لاحقاً وعدم تغطيتها للطلب على الدولار لأجل الاستيراد، ونضيف إلى ذلك مؤخراً حالة الهياج الثوري والسيولة الأمنية التي خفَّضت تحويلات المغتربين عبر الجهاز المصرفي، وفي ظل شح العملات الأجنبية في السوق تراجع إنتاج المصانع، وخرج عدد كبير منها من دائرة الإنتاج فاضطر البعض إلى زيادة الأسعار لمواجهة مخاطر الانسحاب من السوق في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة مع ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود والغاز و الجمارك بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ما أدى بدوره إلى زيادة حالة الكساد والركود في السوق مع تراجع معدَّلات شراء السلع لضعف الأجور و تراجع القيمة الشرائية للنقود.

هذا يعني أن تأثير الحرب في أوكرانيا على البلاد كبير؟

نعم، وتمثل روسيا وأوكرانيا معًا حوالي (30 %) من القمح المتداول دوليًا، و يستورد السودان (٨٠%) من احتياجاته من القمح من البلدين لذلك كان تأثير الأزمة كبيراً عليه،  ومؤخراً اشترطت روسيا أن تكون مبيعاتها من الغاز والنفط والقمح بالروبل لتفشل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها والعقوبات الأوروبية المتوقعة، وقد نجحت في ذلك الأمر الذي تضرَّرت منه الولايات المتحدة مؤخراً مع زيادة الأسعار في أسواقها بنسبة (10%)، ولذلك تأثير -أيضاً- على السودان مستورداً لبعض السلع وقطع الغيار، غالباً سوف تسعى الحكومة لتأمين الروبل المطلوب لاستيراد القمح عبر مبيعاتها من الذهب إلى روسيا أو سلع أخرى يتمتع فيها السودان بميزة نسبية و تحتاجها روسيا مثل: الصمغ أو السمسم، وقد اشترطت روسيا إقامة قاعدة لها في الساحل السوداني على البحر الأحمر و هو ما رفضته المملكة، ويتنافس البلدين في تقديم المعونات من القمح والوقود في سعي كل منهم لتغليب مصلحته، وهو أمر لا يعوِّل عليه، ولا بد للسودان من الاتجاه لتوطين القمح إذا أراد الخروج من الأزمة، وهذا بدوره يتطلَّب إعادة هيكلة للتمويل المصرفي وحشد للموارد عبر مصفوفة تحد من حجم الجبايات لزيادة الإنتاج، وتحد كذلك من التهرُّب الضريبي دون فرض ضرائب جديدة، وتحد من الطلب على الدولار خارج الحاجة إلى الاستيراد، مع تخفيض أسعار الوقود تدريجياً أسوة بدول الجوار، حتى لا يتحوَّل السودان إلى سوق لدول مجاورة باتت تسعى بوضوح لشراء شركات الأمن الغذائي تحت غطاء الخصخصة لتأمين غذائها على حساب مصلحة السودان.

إذن ما المخرج؟

لا بد من تنشيط الاستثمار الخارجي،     والداخلي (عبر شركة مساهمة عامة نسبة الحكومة فيها لا تقل عن 51%) في قطاعي النفط والموانئ، خاصة بعد ردم الحركات لعدد كبير من الآبار إبان سيطرتها على هجليج.

*من زاوية أخرى على الصعيد النظري والتطبيقي هناك شكوك حول دقة قياس معدَّل الزيادة في الأسعار من قبل الجهاز المركزي للإحصاء، كونه متزايد وليس متناقصاً عن العام الماضي حتى ينخفض التضخم استناداً إلى الأسعار.

هل تتفق معي أن الوضع في السودان أصبح معقداً؟

صحيح أن الوضع  معقد نسبياً لتداخل عدة عوامل من شأنها أن تقلل صحة التقديرات المعتمدة على مؤشر الأسعار للمستهلك (CPI)  في قياس نسبة التضخم،  فضلاً عن وجود مؤشر آخر أكثر دقة هو انكماش الناتج المحلي الإجمالي (GDP) ..( Deflator) على سبيل المثال الجهاز المركزي للإحصاء في مصر معتمد في قياس معدَّل الأسعار على (1000) سلعة، وخدمة مجمعة في فئات مختلفة من (10058) وحدة بيع (مصدر) في الحضر و(4337) وحدة بيع في الأرياف، بينما في السودان يعتمدون عينة يفترض محدودة أفقياً وكمياً، كما أن المؤشر الذي تم إهماله في السودان (GPD Deflator) إيجابياته أكثر من سلبياته فهو مؤشر أفضل لأنه:-

يأخذ في الاعتبار جميع السلع والخدمات المنتجة في البلد.

بجانب سلة التسوُّق التي يتكوَّن منها الرقم القياسي لأسعار، المستهلك لا تشمل التغييرات في عادات الشراء، مما يجعله  مضللاً كما في الحالة السودانية، كثير من المواطنين غيَّروا نمط استهلاكهم وفقاً للوضع الاقتصادي واستغنوا عن عدة سلع.

هل تتفق معي أن هذا التغيير إجبارياً؟ 

أكيد، والتغيير في عادات الاستهلاك ليس سلوك أفراد فقط وإنما سلوك حكومي بدوره وعليه فإن مؤشر انكماش الناتج المحلي الإجمالي يمكننا من الوقوف على حجم التغيير في السلوك الاستهلاكي الكلي من خلال اعتماده منهجية المصروفات في احتساب الناتج المحلي الإجمالي، تعتمد منهجية المصروفات على احتساب كل مشتريات المجموعات الرئيسة التي تشارك في الاقتصاد. ويتم حسابها كالتالي:

GDP = C + G + I + NX

الناتج المحلي الإجمالي= نفقات المستهلكين+ الإنفاق الحكومي + إجمالي الاستثمار + صافي الصادرات

*وبالإضافة إلى منهجية المصروفات هناك أيضاً منهجية الإنتاج ومنهجية الدخل، وجميعها تعطي نفس النتيجة عند احتساب كل منها بالشكل الصحيح.

*يعاب عليه فقط أنه لا يغطي الاقتصاد السري المتمثل في الحجم الإجمالي للنقود السوداء، أي مجموعة المعاملات النقدية التي لم يتم الإعلان عنها بطريقة رسمية عبر السلطات المالية أو النقدية المختصة. وهي في السودان كثيرة جداً بسبب ضعف ثقافة الإفصاح المالي والتهرُّب الضريبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى