Site icon صحيفة الصيحة

منى أبوزيد تكتب : في الزمن الجميل..!

منى أبوزيد

4 يوليو 2022م

“مع تقدم العمر تزداد الحكمة وتنقص العبقرية”.. جاي جي هولاند..!

“من العبقرية أن تقاوم ما تحب وأن تحب ما تكره، والفرق بين الشخص العبقري والعادي أنّ الأول يخترق حجاب المعقول ويخرج عن إسار العادة، والعارفون بالله يقولون إنّ أهم شرط من شروط العالم هو خرق العوائد”..!

الكلام أعلاه للدكتور مصطفى محمود العالم والمفكر المصري الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، قبل أن ينال تعاقب السنوات من عافيته فيلزم بيته ويعتزل النّاس وأجهزة الإعلام. قبل وفاة الدكتور مصطفى محمود بفترة قصيرة تذكّره أحد البرامج التلفزيونية الذي ربما رأى مُعدِّوه في الاطمئنان على صحته سبقاً إعلامياً لا بأس به، فانتقلت كاميراته إلى بيت الفيلسوف الذي كان ملء الأسماع والأبصار، لكن السادة المشاهدين لم يشاهدوا ما يبعث على اطمئنانهم أبداً، بل شاهدوا رجلاً مُسناً يتحدث بفكر مشتت ويبدو عليه عدم التركيز..!

كانت تلك صورة آخر ظهور إعلامي له قبل وفاته، وليته رحل بصورته الإعلامية اللامعة ذاتها، وليت الإعلام المتحذلق تركه يشيخ بهدوء بعيداً عن عيون الكاميرات. آخر ظهور إعلامي لمعظم المثقفين والمفكرين والعلماء والفنانين والسياسيين يُثير الكثير من اللغط وردود الفعل التي يكونون – عادة – في غنىً عنها، فلو تُركوا لحالهم لبقيت صورهم المُتوهِّجة خالدة في أذهان الناس..!

العباقرة ليسوا كاملين، هم بشرٌ لا يموتون على ما ولدوا عليه من عبقرية، فمعظمهم قد نال منه الزمن أو المرض في يومٍ ما، أو خذلته بعض الظروف لكن الحظ حالفه في إبقاء تلك الظروف بعيدة عن عيون الناس، حتى إذا ما بهت وهج العبقرية بقيت الصورة المتألقة حيّة خالدة في الأذهان. لكن مشكلة أجهزة الإعلام المحلية والإقليمية عندنا أنّها تتعامل مع هؤلاء وأولئك بمحبة مؤذية، كمحبة الدب الذي هشّم رأس صاحبه وهو يظن نفسه يريحه من إزعاج ذبابة حطت عليه..!

الظهور الإعلامي المباشر – وليس من وراء حجاب المنجزات السياسية أو الفنية أو الفكرية – له شروط وضوابط، أولها وأولاها أن يضيف هذا الظهور إلى رصيد المُبدع لا أن يكون خصماً على صورته المحفورة في أذهان الناس. عدم إغفال مثل هذه التفاصيل لون فاقع من ألوان الفروقات بيننا نحن الأفارقة والعرب والآخرين المنتمين إلى مجتمعات العالم الأول. فلمبدعيهم مستشارون مختصون بالظهور الإعلامي كقرار تسبقه دراسة للحالة الصحيّة والاستعداد النفسي، والكفاءة الذهنية، وشحذ الهمة وصقل الحضور للخروج من التجربة بنجاح يضيف إلى رصيد المبدع..!

بينما عندنا يظهر المثقف أو العالم أو السياسي أو الفنان ..إلخ .. وكأنّه يتكئ على إرث الماضي ويعوِّل على منجزات شبابه الآفل في فرض ذوق الزمن الجميل وقناعات الزمن الجميل وأفكار الزمن الجميل وفتوحات الزمن الجميل على مشاهد ومستمع وقارئ زماننا الرديء هذا – بحسبه – والويل كل الويل لمن يقول بِغِمْ..!

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

Exit mobile version