Site icon صحيفة الصيحة

هل تصبح قوى البندقية بديلاً لقوى الحرية؟؟

حميدتي أمام الحلو وجبريل ومناوي وعقار.. من يكسب الرهان؟!!

(1)

الخطوة التي أقدم عليها المجلس العسكري بتكوين لجنة اتصال أو لجنة عليا للسلام أو لجنة تفاوض مع حاملي السلاح، هي أولى الخطوات التصحيحية لمسار المجلس العسكري منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.. وتأخرت الخطوة لأكثر من شهرين.. وضاعت أيام وأسابيع وشهران من الحوار غير المنتج مع تحالف قوى الحرية والتغيير “الطامع” في كل كراسي السلطة، بينما تقف القوى التي تحمل السلاح على خط التسوية لإيقاف الحرب التي اندلعت في المنطقتين عام 1983م، وفي دارفور عام 2003م بسبب ظلامات تاريخية واحتجاجات على ضعف المشاركة السياسية في الحكومات المركزية المتعاقبة واختلالات في التنمية بالريف مقارنة بالحضر. وظلت قضية الحرب هاجساً يؤرق كثيراً من الناس في البلاد وحقل استثمار سياسياً لبعض النخب التي ارتبطت بكل أسف مصالحها اليومية وبقاؤها على كرسي الحكم باستمرار الحروب في الأطراف التي تستخدم فزاعة كما هو الحال في دارفور والمنطقتين في السابق جنوب السودان لتبرير استمرار حكومات ذات أداء بائس وتلبيس الحق بالباطل.

وقرار الفريق عبد الفتاح البرهان الذي أعلنه مساء الأحد الماضي لم يجد حظه من الاحتفاء في الصحافة الوطنية ولا في وسائل الإعلام الأخرى، وطغت أخبار ردود فعل المجلس العسكري على ما ورد بشأن مبادرة الأثيوبيين وتعليقات قوى الحرية والتغيير.. وحينما عاد التوم هجو القيادي في الجبهة الثورية، والقيادي في حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وتحدث بما لا تطرب له آذان النخبة السياسية في المركز.. انهالت السياط على ظهر سياسي مبدئي عرف بالمغامرات والتنقل ما بين الحركة الشعبية وحركة مناوي التي اقتربت من إبرام تسوية مع المجلس العسكري في الأيام الأخيرة.

أهمية إبرام اتفاق مع الحركات المسلحة في الوقت الراهن للمجتمع العريض الذي انتابه الإحباط والملل إزاء ما يحدث من تلكؤ في تكوين الحكومة الجديدة وحسرة على سلحفائية القرار وتنامي الشعور بفشل “الثورة” التي قادها الشباب ولم يخطف ثمرتها إلا قلة من المستفيدين الذين يجيدون الركوع والسجود في بلاط الحكام.. ويبدلون جلودهم ومواقفهم وفق ما تمليه عليهم مصالحهم, وفي حال توقيع الحكومة ممثلة في المجلس العسكري على اتفاق بوقف الحرب في المنطقتين ودارفور، فإن ذلك كفيل بتحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية معاً.. وفتح آفاق التعاون مع المجتمع الدولي الذي تشغله الحرب في المنطقتين ودارفور أكثر من انشغاله بتكوين حكومة من قوى التغيير والحرية.. وفي ذات الوقت يمثل التوقيع على اتفاق مع الحركات المسلحة خطوة هامة من شأنها تعزيز موقف المجلس العسكري داخلياً.. فالآلاف من جماهير المنطقة الشهيرة بجبال النوبة التي فاضت بها القاعة الكبرى الجديدة بقاعة الصداقة وملأت الطرقات المؤدية للقاعة وهي ترقص طرباً.. لم تفعل ذلك إلا رغبة أكيدة في تحقيق السلام وعودة هؤلاء النازحين لجبالهم وقراهم ووديانهم بدلاً من حياة الضياع التي يعيشيونها في أطراف العاصمة القومية الخرطوم والمدن الكبرى، ويعانون البؤس والفقر والجوع.. وتطاردهم شرطة النظام العام التي تفترض أنهم مجرمون حتى يثبتوا غير ذلك.

(2)

هل لأبناء دارفور والحركات المسلحة قضية عصية على الحل؟؟ وهل تم قبر اتفاقية الدوحة مع النظام السابق؟؟ وما هي ضمانات تحقيق سلام مع الحركات الثلاث التي لا تزال تحمل السلاح، وفي ذات الوقت تبقى القوى التي انخرطت في النظام السابق في الداخل ولا تعود إلى الغابة مرة أخرى خاصة ومن بين تلك القوى “مقاتلون” كانوا يشكلون مخاطر حقيقية على الأمن في دارفور مثل العميد دبجو والعقيد حمدين.. وسياسيين لهم تجارب في المعارضة المسلحة مثل بحر إدريس أبوقردة وأبوبكر حامد محمد نور.. وبالنظر لآخر مفاوضات جرت في أديس أبابا بين وفد الحكومة وحركتي العدل والمساواة، فإن القطيعة النفسية وإحساس قادة الحركات المسلحة باستهانة الحكومة بتلك الحركات.. وتعمدها الإصرار على قيادة الدكتور أمين حسن عمر والفريق دخري الزمان عمر لوفد الحكومة يمثل عدم رغبة وجدية في التسوية لتشدد المفاوض الحكومي.. وتعود أسباب انهيار الجولة الأخيرة لتمسك الوفد الحكومي حينذاك بضرورة تحديد مواقع قوات حركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بصورة دقيقة.. وعددها والأسلحة التي تمتلكها ومن ثم التحقق من وجود تلك القوات على الأرض حتى يتم التوقيع على اتفاق بوقف إطلاق النار كشرط من جهة الحكومة للدخول في تفاوض حول القضايا السياسية!!

ورفضت “الحركتان” الإفصاح عن عدد قواتها وخارطة انتشارها معتبرة الوفد الحكومى يسعى للاستفادة من مثل هذه المعلومات لتوجيه ضربات جوية تقضي على ما تبقى من جيش “الحركتين” بسبب تطاول أمد الحرب.. وفي الواقع كانت قوات مني أركو مناوي في الصحراء الليبية ومعظم قوات جبريل إبراهيم كانت تقاتل حينذاك في دولة جنوب السودان قريباً من سلفاكير ميارديت رئيس دولة الجنوب.. ووضع المفاوض الحكومي قادة الحركتين أمام خيارين إما الاعتراف بأنهم لا يسيطرون على أية أرض في الميدان والحال كذلك لن توقع الحكومة مع تلك الحركات اتفاقاً لوقف اطلاق النار أو الاعتراف الثاني بأن قواتهما في ليبيا وجنوب السودان وثمة حاجة لتجميعها في دارفور وذلك يشكل اعترافاً بضلوع الحركتين في الحربين الليبية والجنوب سودانية.. ورفض د. أمين حسن عمر الحوار حول الملف السياسي وقسمة السلطة والثروة إلا اذا عادت الحركتان الى الدوحة وإرغامهما على التوقيع على الاتفاقية التي رفضتها الحركتان “شكلاً” ومضموناً!!

فما هي القضايا التي ينتظر التفاوض حولها؟؟ بشأن دارفور وهل الحركات المسلحة تضع مسألة الديمقراطية في أولوياتها المطلبية؟؟ وهي أكثر قناعة بهزال التجارب الديمقراطية بسبب الضعف العضوي في مؤسسات المجتمع المدني وخاصة الأحزاب التي تسرق أحلام الأطراف وتصدر نواب الإشارة في الزمان القديم.. وطغيان ثقافة المناورات والاستهانة بمطالب الريف والقرى والرحل!! ولن يجد الفريق محمد حمدان حميدتي وأعضاء لجنته الفريقين “النيرين” ياسر العطا وشمس الدين كباشي مشقة أو حرجاً في الاستجابة لمطالب تلك الحركات بما يتصل بقسمة السلطة والتوازن بين المركز والأطراف.. ولكن ثمة صعوبات قد تواجه التفاوض مع فصيل عبد الواحد محمد نور الذي تعتريه أحياناً روح شيطانية وتطغى التزاماته العقائدية اليسارية على ما عدا ذلك من التزامات.. وبالطبع رؤية حركات دارفور ستجد على الأقل احتراماً من لجنة الفريق حميدتي..

(3)

قضية جبال النوبة هي الأكثر تعقيداً نظراً لتطاول أمد الحرب واليأس والإحباط الذي انتاب المقاتلين بعد عودة الحرب في 6/6/2011م، وجسدت أطروحة حق تقرير المصير لجبال النوبة وبزوغ شمس الانفصال تلك الحالة أي اليأس والإحباط.. وبطبيعة الحرب لها ثلاث نتائج ونعني بذلك حرب الهامش والأطراف.. إما أدت لانهيار الحكومة المركزية بسبب تبعات الحرب الاقتصادية أو انفصال الطرف المقاتل من الهامش أو الاتفاق السياسي بين المركز والهامش من خلال مساومة متفق عليها.. وعندما وصلت المفاوضات السابقة إلى الطريق المسدود ورفضت الحكومة أطروحات الحركة المطالبة بالحكم الذاتي.. واستخدمت تدابير توصيل الغذاء لإجهاض المفاوضات.. وطرد الحلو فريقه المفاوض برئاسة ياسر عرمان، وفاجأ الجميع بمطالب حق تقرير المصير لجبال النوبة.. ومن أسباب انهيار جولات التفاوض التي بلغت “13” جولة بين الحكومة السابقة والحركة الشعبية طغيان الاهتمامات والانشغالات الأمنية على الاعتبارات السياسية.. وهيمنة الفريق العسكري المفاوض وفرض رؤيته بتقديم ملف الترتيبات الأمنية والعسكرية عن الاتفاق السياسي.. وتأسيس إرادة سياسية ضابطة وحاكمة كما حدث في اتفاقية 2005م والإصرار على الاتفاق على التدابير العسكرية قبل الدخول في القضايا الأخرى.. فهل يعيد الفريق “حميدتي” ترتيب الأولويات والاعتراف ابتداء بأن قضية المنطقتين هي قضية سياسية قبل أن تكون قضية تمرد عسكري؟؟

وثمة حاجة لخبراء ومختصين من أهل المنطقة للمساهمة في تقريب وجهات النظر.. وفتح أبواب المشاركة في ملف السلام لكل القوى السياسية وأن لا يحتكر المجلس العسكري وحده التفاوض بإشراك أبناء هذه المناطق ونزع الخوف من العناوين العريضة مثل الحكم الذاتي والحكم الفيدرالي وإثيوبيا التي تجاوزت الصراعات العرقية والسياسية اختطت نهجاً في معالجة قضاياها.. ومخاطبة جذور الاحتجاجات للقوميات مثل الأرومو والعفر والتقراي والتغرنقا بالاعتراف في الدستور بحق الأقاليم في تقرير مصيرها في حال تصويت أغلب نواب الإقليم.. ولو اهتدت دولة أوروبية مثل إسبانيا لتجربة أثيوبيا لأنهت النزاع في إقليم كاتلونيا وإقليم الباسك, ولكن إسبانيا الديمقراطية والملكية سارت في الدروب الخاطئة. وإذا نظرت حكومة السودان والمجلس العسكري لقضايا الهامش والأقاليم كقضايا توظيف واستيعاب للأفراد في المواقع التنفيذية فإنها تخطئ تشخيص أصل القضية التي هي سياسية، وهناك شعور متنامٍ وسط أبناء المنطقتين بالظلم الشديد وقد عبر عن ذلك قيادي في شرق السودان يدعى محمد طاهر في نشرة لمؤتمر البجا عام 1958م جاء فيها أن شرق السودان فيه قبائل تعيش أوضاعاً معيشية أكثر بدائية وتخلفاً من قبائل جنوب السودان، ولكن الشرق لم يطالب بالانفصال مثلما كان يطالب الجنوب حتى تحقق له ذلك..

وجبال النوبة اليوم لا تطالب بالانفصال لكنها أكثر وعياً عن ماهية مقاصد التمييز الإيجابي.. وهي تمد لسانها ساخرة من عبارة جوفاء يرددها الساسة في المنابر عن جبال النوبة التي لها “خصوصية” لو سألت أحد العباقرة ماذا تعني الخصوصية لوقف ينظر إليك شذراً وانصرف عنك مهرولاً!!

وقضية جبال النوبة تمثل أهمية سياسية ومسؤولية أخلاقية وإنسانية وضرورة اقتصادية لأن جبال النوبة هي أغنى أرض سودانية على الإطلاق بالمعادن والثروات الأخرى من الزراعة، وقبل ذلك الإنسان وتشكيل “ثنائية النوبة والحوازمة” نموذج فريد في قبول السودانيين لبعضهم وتمازج النوبة والنوبة ووحدتهم الثقافية قد مزقتها الحرب الأهلية التي يستفيد منها تجار الحروب وحاصدو ثمرات الدماء..

(4)

قبل أن تبدأ لجنة الفريق حميدتي مهمتها.. نهديها قصة تسامح مانديلا حينما عرض عليه ما تم التوصل إليه في اللجنة العليا للحزب الوطني الأفريقي بشأن النشيد الوطني لدولة جنوب إفريقيا, يروي مؤلف سيرة مانديلا الذاتية انطوني سامسون قصة رواها له المناضل الأفريقي طوكيو ساكسويل حول قرار اللجنة العليا للحزب الوطني الأفريقي بشأن النشيد الوطني قبيل تكوين حكومة مانديلا. قال الراوي إنه كان أمام الحزب أن يختار بين نشيدين نشيد التحرير ونشيد الحزب الأفريكاني”البيض” الحاكم وكان القرار واضحاً لكل قيادات الحزب الوطني الأفريقي تبني نشيد التحرير كنشيد للدولة الجديدة ذلك القرار اتخذ خلال غيبة مانديلا لأمر طارئ ولكن ما أن عاد الرجل الأسطوري وأبلغ بالقرار حتى قال “أنتم تقررون بشأن أناس لا تمثلونهم نحن نريد أن نقيم دولة ترتكز على التسامح والاعتراف المتبادل وبالطبع أعيد النظر في القرار وأصبح لجنوب افريقيا نشيدان وطنيان يعزفان على التوالي, فهل يتأمل الجنرالات في حكمة وحنكة مانديلا وهو يعالج القضايا الشائكة.. ويعطي قيمة لأهل جنوب أفريقيا ولا يدعي تمثيلهم دون حق..

Exit mobile version