Site icon صحيفة الصيحة

يس عبد العظيم.. مرارة الرحيل الأليم

 

كتب: سراج الدين مصطفى   19 يونيو2022م

الرحيل باكراً

اشترك عدد من الفنانين الذي رحلوا عن دنيانا في ريعان شبابهم، في ملمحين أساسيين يناسبان مرورهما الخفيف على عالمنا، أولهما: المُغايرة والاختلاف، وثانيهما: الانحياز لكل ما هو إنساني والتعالي على أية قضايا مؤقتة أيديولوجية أو سياسية أو غير ذلك، وحفلت مسيرة الأغنية السودانية بالعديد من الأسماء التي شكّلت وجدان الشعب السوداني، وبعض هذه الأسماء رحلت باكراً ولم يتثن للناس سماعها جيِّداً والتوغل في تجربتها، ومن بين هذه الأسماء يطل اسم الفنان عمر أحمد، صاحب الأغنية الشهيرة (كان بدري عليك) التي كتبها ولحنها المبدع الراحل عبد الرحمن الريح، وهو يعتبر من أكثر الشخصيات السودانية التي ساهمت في تقديم العديد من المبدعين والقائمة التي قدَّمها يطول حصرها.

أنموذج عمر أحمد

“عمر أحمد”، هذا الفنان الذي رحل في مقتبل صباه. ولعل الأهم في هذا الجانب أن صوت “عمر أحمد” خلَّدته فقط أسطوانة أغنية “كان بدري عليك”، التي شاء الحظ أن تتولى الإذاعة السودانية، عند انتقالها إلى مبناها الحالي في عام 1957م، نقلها من جهاز الفونوغراف إلى شريط التسجيل، أسوة بما أدركه الحظ من أسطوانات غناء “حقيبة الفن”، رغم أنه من الواضح أن الصوت الذي يؤدي أغنية “كان بدري عليك” التي أضيفت إلى موقع الإذاعة السودانية هو صوت الفنان الراحل “خليل إسماعيل” وليس “عمر أحمد”، وقد ساهم الفنان المقتدر “أبو عركي البخيت” في نشر هذه الأغنية وسط جيل الشباب بأدائه المتميِّز لها.

يس عبد العظيم

وبذات القدر المشابه لعمر أحمد، غيّب الموت قبل خمسة وثلاثين عاماً، فنان الطمبور يس عبد العظيم، عن عُمرٍ لم يتجاوز الثلاثين عاماً، ورغم قصر عمره الفني إلا أن يس خلَّف أكثر من (100) أغنية، حوَّلت مجرى أغنيات الدليب بعد موته. ولد يس عبد العظيم بقرية العفاض بالولاية الشمالية في العام 1956م، في أسرة فنية معروفة وتوفي في مستشفى الخرطوم متأثراً بداء السرطان اللعين في شتاء 1987م، ونجح الفنان يس خلال 12 عاماً، فقط، في التغني لأعتى شعراء شمال السودان وشكّل مع الراحلين الشاعر محمد الحسن سالم حمّيد، والفنان مصطفى سيد أحمد، ثالوثاً احتفى بالرمزية المفعمة بالوطن والحياة وتمثل ذلك في تغنيه بأغنية “بنت العرب النوبية” التي صاغ كلماتها حمّيد ولحَّنها وتغنى بها كل من: يس ومصطفى بشكل مختلف.

شهرة متأخرة

كما شكّل يس عبد العظيم، مع الشاعر إبراهيم ابنعوف، ثنائية أتحفت مكتبة الأغنية السودانية بروائع الأغنيات مثل: “ليل الغلابة”، حيث كانت شهرته متأخرة،  ويس لم يتعد عمره الفني 12 عاماً، لكنه رغم ذلك تمكَّن من التغني بأكثر من مائة عمل فني من درر غناء الطمبور، لحَّن أغلبها بمفرده وفق رؤية تجديدية ونهج متفرِّد “بيد أن الفنان يس لم يحظ بالشهرة الواسعة إلا بعد موته في السابع من أكتوبر 1987م، بعد معاناة مع مرض السرطان، حيث انتبه النقاد والمهتمون بأغنية الطمبور إلى تجربة كان لها أبلغ الأثر على هذا النوع من الغناء المنتشر في شمال السودان من حيث التجديد.

عمر فني قصير

ويقول التاج عبد العظيم، شقيق الفنان الراحل: إن يس لم يتعد عمره الفني 12 عاماً، لكنه رغم ذلك تمكَّن من التغني بأكثر من مائة عمل فني من درر غناء الطمبور، لحَّن أغلبها بمفرده وفق رؤية تجديدية ونهج متفرِّد، ويضيف التاج: إن شقيقه الراحل بدأ حياته الفنية في الخرطوم منتصف السبعينيات من القرن الماضي وتفرَّغ للفن بالشمالية في أوائل عقد الثمانينات، وسجل للإذاعة السودانية نحو 14 أغنية، بجانب أغنيتين لإذاعة وادي النيل بالقاهرة.

التوثيق للفنان يس عبد العظيم

ويتأسف التاج لعدم تمكُّن التلفزيون القومي من التوثيق للفنان يس عبد العظيم، سوى ظهوره ضمن كوكبة من فناني الدليب في برنامج “نادي الطمبور” ويبدي أمله في أن يكون التسجيل محفوظاً في مكتبة التلفزيون بخير.

من جانبه، يشرح محمد المك، أن يس عرف بتواضعه الجم ومواظبة الصلوات وبراعته في عزف آلة الطمبور، ويقول إنه درج عند تجربة أي لحن جديد على التأنق في كامل أبهته والوقوف أمام مرآة كبيرة وأداء تجربته الجديدة مع ملاحظة تعابير وجهه حسب النص الشعري، بجانب شرح الأغنية قبل غنائها للجمهور.

سقوط موهبة

وحسب روايات، فإن يس سقط على المسرح وهو يغني في حفل عرس بمنطقة منصوركتي ولم يكن حينها يعلم أنه أصيب بسرطان الدم وبدأ علاجه بمستشفى الخرطوم وعرف بالصدفة أنه مصاب بالسرطان من إحدى الممرضات فدخل في غيبوبة سرعان ما فارق بعدها الحياة مأسوفاً على شبابه، واستفز موت يس قريحة شعراء الشمال الذين تباروا في نظم مرثيات “مناحات”، كان أشهرها لإبراهيم ابنعوف، غنى يس لعدد من الشعراء أبرزهم: حميد وابنعوف وتوفيق الطيب البشير ومحمد جيب الله كدكي ومحمد أحمد الحبيب وأحمد محمد الحسن.

Exit mobile version