النذير إبراهيم العاقب يكتب :الصلح خير

 

18 يونيو2022م

شهد منتصف الأسبوع الماضي بمدينة الرصيرص حدثاً اجتماعياً ضخماً، بعث الأمل في نفوس مواطني إقليم النيل الأزرق ككل ومواطني محلية الرصيرص على وجه الخصوص، حيث أفلحت مجموعة من نشطاء ومصلحي المجتمع في عقد مصالحة باذخة بين مك عموم قبائل النيل الأزرق المك الفاتح يوسف حسن عدلان، والمك عبيد أبوشوتال مك الهمج، ولعلها خطوة مهمة للغاية وجاءت في وقت الإقليم في  أمسَّ الحاجة لها، وذلك من حيث أهمية الرجلين ومكانتهما السامية وسط قبائل الإقليم، وتبشِّر بمستقبل زاهر ومبشر لعقد مصالحات شاملة تستوعب كل الخلافات السياسية والاجتماعية، تستدعي الشروع الفوري في عقد مؤتمر جامع للمصالحات في النيل الأزرق، لا يستثنى أحداً، بما فيها جناح الحركة الشعبية من أبناء الإقليم الموالين لعبد العزيز الحلو.

ولا شك أن تحقيق الصلح بين أطراف متخاصمة في المجتمعات كافة يعد أمراً ليس سهلاً إطلاقًا، من حيث استغراقه وقتاً طويلاً، ويتطلب اتخاذ قرارات صعبة للوصول إلى حلّ يرضي جميع الأطراف، وتختلف الجهود المبذولة للمصالحة تبعاً للظروف والمدة الزمنية التي تحددها طبيعة الخلاف والمجتمع، ومهما بلغت صعوبة هذه الظروف لا يجب أن يقف ذلك عائقاً أمام سعي الأطراف المعنيّة في تحقيق الصلح لما له من أهمية كبيرة تعود على الفرد والمجتمع، وذلك من منطلق ما يحمله تحقيق الصلح في المجتمع من أهميّة كبيرة، سواءً على الجماعيّ والروحيّ، ومن أبرز النقاط التي توضّح أهميّة الصلح في المجتمع تحقيقه للوحدة والتماسك بين أفراد المجتمع وإحداث تغيير فيه على المستوى السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، فضلاً عن المساهمة في بناء علاقات إيجابية  وإعادة صياغة هوية أفراد المجتمع من خلال تغيير ثقافاتهم ومواقفهم التي تسببت بالأذى للآخرين، وإعطاء الأفراد القدرة على الاعتراف المتبادل بمعاناة الماضي والتعامل معها بإيجابية، وبناء جسر بين أطراف النزاع من خلال مساعدة الطرف المتضرر في التغلب على كل المشاعر السلبية التي مر بها من حزن وألم، وغضب، وعلى الجانب الآخر المساهمة في إضفاء الطابع الإنساني للطرف المتسبب بالضرر، حيث إنّ عملية الصلح تعتمد بشكل أساسي في القضاء على تجرد البعض من إنسانيتهم وعدم مبالاتهم بآلام الآخرين، بجانب أهمية تعزيز بناء المجتمع من خلال تقبّل الأطراف المتخاصمين للعيش معاً مرةً أخرى، والمساهمة في بناء مجتمع أفضل تسوده العلاقات الهادفة التي تقوم على الصدق والاحترام، والتقليل من الرغبة في الانتقام من الشخص أو الجهة التي تسببت بالأذى أو الضرر، وذلك من خلال فرض العقوبة اللازمة عليه، ومعاقبة الجاني بالعقوبة المناسبة في بعض الحالات. ويكمن دور الصلح في هذه الحالة بمساعدة المجتمع على تقبّل الجاني بعد إنهاء مدة العقوبة حتّى لا يكون هناك ضحايا آخرين وتعزيز الهوية الوطنية للفرد وانتمائه للمجتمع مما يساهم في إلغاء أي تمييز عنصري بين الناس، ويقوم الصلح على اعتراف الطرف الذي تسبب بالأذى بخطئه وطلبه العفو من الطرف المتضرر والذي يقوم بدوره بمسامحته ما يساعد في ترميم العلاقات المكسورة بينهما بتغيير تحيز وتصور كل منها نحو الآخر، ومن ثم إعادة التواصل مع الآخرين وتجديد العلاقات مع الأشخاص الذين تسببوا بالأذى لغيرهم، والتركيز على جوهر العلاقات الإنسانية وليس الأسباب التي أدت إلى النزاع فقط مما ينتج عنه تحوُّل جذري في العلاقات الشخصية بين المتنازعين، وإصلاح المجتمعات التي تعاني من الانقسام بين شعوبها ومكوناتها القبلية والإثنية، لبناء السلام والاستقرار المستدام في هذه المجتمعات، وتعزيز الأسس والمبادئ التي يقوم عليها نجاح المجتمع مثل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتحقيق العدالة بين الناس، والتطلع إلى تحقيق أهداف المجتمع المنشودة في المستقبل من خلال بناء سيادة القانون، والحد من الظلم والعنف، وتوفير مساحة للشعور بالأمان بين الناس والتعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم، وتعريف الصلح يعرّف الصلح بأنّه عملية فض النزاعات والخلافات بين المتخاصمين من خلال الحوار والاعتراف بالذنب، أو اللجوء إلى القضاء لرد الحقوق إلى أصحابها وبناء علاقات قائمة على الثقة، والتسامح، والتعاون بين الناس للعيش بأمان واستقرار وسلام مستدام.

وللصلح أنواع شتى تتمثل في المصالحة التامة، ويعدّ أفضل أنواع المصالحة، حيث أنه ومن خلاله تحلّ الخلافات القائمة بين الأطراف تماماً وتنتهي مسبّباته، وقد تتحوّل العلاقة بين الأطراف المتخاصمة إلى علاقة مودّة وصداقة وتعاون، فضلاً عن مصالحة تغيير التوقعات، والذي يعتمد على تغيير أطراف الصراع أو الخلاف، والمتمثلة توقّعاتهم ومتطلّباتهم من الطرف الآخر، وتقبّل الاختلاف وانفتاح العلاقة بينهما سواء أجريت التغييرات المأمولة أم لا، وكذلك فإنه ومن خلال الاتّفاق على الاختلاف يمكن الوصول إلى هذا النوع من المصالحة إذا اقتنع أطراف الخلاف أنّه لا داعي لإقناع الآخر بأنّه هو على حقّ، وتقبّل اختلاف الرأي، ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة بعيدة عن سبب الخلاف يمكن الإعتماد عليها لإعادة بناء العلاقة وتجاوز الخلاف. وهناك -أيضاً- القرار الداخلي على المصالحة والمساحة، وهذا النوع من المصالحة يأتي في حال تكون المصالحة المباشرة مع طرف الخلاف الآخر مستحيلة، كأن يكون ميّتاً أو رافضاً تماماً للمصالحة، مع فشل جميع جهود الصلح، ولا يمكن يمكن استرجاع العلاقة أبداً.

نخلص إلى أنه على كل مكوِّنات إقليم النيل الأزرق السياسية والاجتماعية وخاصة قيادات الإدارة الأهلية، الشروع الفوري في وضع الخطط المستقبلية الكفيلة بتحقيق أكبر قدر من المصالحات الشاملة، لجهة التكاتف والتعاون المثمر المفضي إلى تحقيق مكاسب وأهداف الحكم الذاتي وتطبيقها على الأرض، وتحقيق أكبر قدر من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإقليم والنهوض به من وهدته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى