محمد طلب يكتب: فيفي بالشوفان وبرجس بالسكر

وجد مقالي البارحة تفاعلاً كبيراً من الذين اطلعوا عليه وصب بعضهم كثيراً من الغضب على المقال واتهموني بظلمي للبرنامج ومقدمته الباسمة (فيفي)

مقالي لمن لم يطلع عليه تحت عنوان شفتوا الشيف فيفي والشوفان تجدونه في الروابط التالية:

https://www.assayha.net/105834/

و https://marayapress.com/?p=10758

وhttps://alrayanews.net/18667/

وhttps://sudanfocusnews.com/9024/

وhttps://alahdath.news/80630

وغيرها من المواقع… وقالوا ماذا كنت تريدها أن تفعل كمقدمة لبرنامج يهتم بـ(المطبخ)، لن أرد عليهم إطلاقاً إلا أنني سوف أعيد عليهم مقال تم نشره على الأهل والأصدقاء بالعيلفون في قروباتهم بعنوان (برجس بالسكر) دون أي تعديل أو إضافات.. (برجس) هو لقب لذلك الطاهي الماهر (مصطفى الشيخ إدريس خالد) ووالدته (كلتوم بت خير) من أهلنا بالعيلفون، واشتهرت والدته ايضاً باسمه (كلتوم برجس) ولهم من الملح والطرائف ما تضيق به هذه المساحة…

كان عليه الرحمة يملك مطعماً بالعيلفون يطهو الفول والطعمية والفتة ويبيعها وهو مبدع جداً ابتدع وجبة أطلق عليها اسم برجس بالسكر.. إليكم ما كتبته قبل سنوات حتى نتعرف على الإبداع الذي عنيته وكيف تقتل المحلية الإبداع والمبدعين في أي مجال… إلى المقال:-

برجس بالسكر عين الإبداع

بالأمس القريب عندما حدثت أزمة خبز طارئة نسبة لانقطاع الكهرباء بسبب الأمطار، كانت شخصية برجس عليه الرحمة تسيطر على مخيلتي وأنا غدواً ورواحاً أبحث عن الخبز وكأنه لا يوجد بديل لهذا الكائن الذي يُسقط الحكومات ويبني قادة الثورات رغم أنه ليس الغذاء الرئيسي لأهل السودان…. رحلت بخيالي إلى السبعينات من القرن السابق ذات صباح خريفي وفي (عينة) من (عينه) ذات الأمطار الكثيفة المتواصلة  قطعتنا عن زلابية (التوان وكنانة)…. وهن (كنداكات) نعود لهن لاحقاً… في ذاك الصباح لمحت أمي تهز (كانونها) وبقانونها تأمرني أن (أهبب) بعد أن وضعت فحمات (طازجات) على الجذوة النائمة… ومشددة عليّ بعدم التوقف لحين عودتها من (حيطة الغنم) أو كما كنا نسميها… الغريب في الأمر أن أمي تستخدم كانوناً واحداً والذي أوكلت به الآن هو إضافة وزيادة عن المعتاد

يا ترى ماذا يدور بخاطرها!!؟

وما هي إلا لحظات حتى أتت بماعون وضعته على النار وصبّت عليه قليلاً من الزيت ووضعت قطعاً من الخبز الجاف…… لم أشاهد بقية تفاصيل ما قامت به لأني ذهبت للعب مع إخواني… وسرعان ما نادت علينا لـ(الشاي أب لبن) وتفاجأنا بوجبة لذيذة دسمة مع (كباية شب) من الشاي (المُقنن) وفضول الطفولة دعانا للسؤال عن تلك الوجبة فكان الرد (برجس بالسكر) ولم نكن وقتها نعرف من هو برجس واعتمدنا برجس بالسكر كوجبة تتفوّق على الزلابية لأنها مشربة بالسكر وأصبحنا نصر على الوالدة (عليك الله سوى لينا برجس بالسكر) ونسبة لقلة (سكر التموين) في تلك الأيام فقد كانت برجس بالسكر وجبة استثنائية رائعة… إلى تلك اللحظة لم نستوعب هذه (الماركة المسجلة) ومثلما كنا ندخن (البينسون) من أعقاب سجائر عمنا عبد الكريم الأمين عليه الرحمة ولا ندري من هو بينسون إلى أن علمنا فيما بعد شراكة (بينسون آند هيدجز) إلا أن برجس لم يكن له شريك في (علامته التجارية) هذا ما عرفناه لاحقاً…. فقد علمنا أن الرجل ابتدع من بنات أفكاره هذه الوجبة… وبعد أن دارت بنا الحياة وتبادلتنا المهاجر وأصبحنا نتعمّق الأشياء أكثر وأكثر ونقارن ونقارب اكتشفنا أن برجس مبدع لا يقل إبداعاً عن ملاك الوصفات السحرية والعلامات التجارية المميزة من أصحاب سلسلات المطاعم العالمية مثل الكنتاكي وماكدونالدز وهارديز وغيرها…. أقسم بالله أن الرجل أكثر منهم إبداعاً وابتكاراً….. ولكن…!!

وينطبق عليه المثل القائل (يخلق من الفسيخ شربات) ولكم أن تتخيلوا المسافة بين الفسيخ والشربات…..

برجس عليه الرحمة إداري يعرف جيداً إدارة الموارد وهو علم كبير ويعلم جيداً كيفية الوصول للفائدة القصوى من الموارد المتاحة… بل هو مطوّر في إعادة التدوير، خلق خطاً جديداً في الاستفادة من بقايا الخبز الجاف التي كانت تترك لتتعفن أو في أحسن الأحوال تترك للبهائم والطيور….. برجس عليه الرحمة أضاف منتجاً جديداً في خطوط إنتاجه بالإضافة للفول والطعمية وغيرها… وتفنن بطرافته وطريقته الخاصة أن يروج للمنتج من خلال الاسم برجس بالسكر وهذه لعمري مجموعة علوم وفنون تدرس الآن بالجامعات كسبها الرجل بفطرته وتفكيره السليم….

رحم الله العم برجس رحمة واسعة… الآن تقوم كثير من ماكينات التجفيف والتحميص والتحلية والأفران الكهربائية بما كان يقوم به برجس بين عشية وضحاها…. وبالمتاااااح من تحميص بقايا الخبز بعد تشذيبها، تشريبها بالسكر المحروق  دون تعب أو عناء وزيادة التكاليف

يا ترى كم برجساً فقدنا بنظرتنا السطحية للأشياء؟

وربما يسأل أحدهم وما علاقة كل ذلك بما يحدث في السودان؟

نترك لكم الإجابة عليه.. بعد تناول وجبة برجس بالسكر..)

انتهى المقال ورحم الله عمنا المبدع جداً برجس والآن أترك لكم المقارنة بين عمنا برجس وإبداعه مقارنة بما نراه ويستفزنا جداً في التلفزيون وكل برامج الطهاة المحترفين من السودانيين والسودانيات…

وأخيراً ربما تستغربون لو قلت إن هذا المقال يصلح لخطبة الجمعة لكن معظم أئمتنا طهاة للسياسة والأحزاب العقائدية أما (برجس) فيطهو ويبدع للغلابة (برجس بالسكر).. رحمه الله رحمة واسعة…

سلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى