منى أبوزيد تكتب : في الفيلم الهندي..!

11 يونيو 2022م
“كذب من قال إن الشر يطفئ الشر، فإن كان صادقاً فليوقد ناراً إلى جنب نار، فلينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى؟”.. لقمان الحكيم..!
تغريدة مسيئة لرسولنا الكريم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – كتبها مسؤول بالحزب الحاكم في الهند أثارت أزمة دبلوماسية بينها وبين كثير من الدول العربية والإسلامية، وحريٌ بها أن تفعل. لكن بعض الشطط الذي صاحب ردود أفعال بعض المسلمين في بعض الدول هو مربط فرس هذا المقال. فردود الأفعال تلك لم تكتفِ باستدعاء حكوماتها لسفراء الهند في بلادها، ولم تكتف بمطالبة تلك الحكومات للحزب الحاكم في الهند بالاعتذار الرسمي، بل دعت إلى مقاطعة الهند من أساسه، وطرد العمالة الهندية كلها من بلادها..!
والحقيقة أن الناس – كما يقول أنيس منصور – “لا تخطط للفشل بل تفشل في أن تخطط”، وكل ما قد يفعله إشعال الحرب بطرد العمالة والضرب بسلاح المقاطعة هو أنه سوف يعزز من قناعة معظم المصابين بالإسلاموفوبيا في الهند بما اجتهدت تلك التصريحات المسيئة في نشره وترسيخه كمفهوم عن الإسلام والمسلمين. فالغاية مهما سمت وعلا شأنها لا تبرر الوسيلة في دين الإسلام الذي جعل العين بالعين والسن بالسن..!
فأين إعلام وصحف المسلمين من الرد الموضوعي بذات الكيفية والوسيلة؟. أين رؤوس الأموال الإسلامية – التي يتم تسخير بعضها لتمويل العمليات الإرهابية – من استثمار المؤسسات الإعلامية الضخمة لتبييض وجه الإسلام الذي لطّخه الإرهاب الأرعن؟. مثل هذه الأحداث المؤسفة – بمختلف تداعياتها – هي مهرجانات أخطاء يرتكبها بعض المسلمين بحق سماحة الإسلام وعظمة نبينا محمد، وفقاً لمفاهيم طال بقاؤها واستطالت شرورها وآن لها أن تصحح..!

الملوك حكام على الناس، والعلماء – كما يقول سيدنا علي – حكام على الملوك، فكيف ينزلق الحاكم والفقيه العالم الذي يسود فينا ويقود أمور ديننا ودنيانا إلى رعونةٍ لا تشبه سيد الخلق وشفيع الأمة الذي ينافحون باسمه ويدافعون عنه، وأين كياسة المسلم وفطنته ودفعه السيئة بالحسنة من تلك الدعوات التي لا تليق بأي جمعٍ يطلب فلاحاً في أي شأن، ناهيك عن حدث جلل مثل نصرة نبي الإسلام ورسول الإنسانية..؟
أين هؤلاء وأولئك من ثقافة المطالبة والاحتجاج في الإسلام الذي يدعون الناس إلى التمسك بمبادئه؟. فهل من الحصافة أن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهل من الفلاح أن تساق البلاد وأن يزج بالعباد إلى كوارث مطلبية وملمَّات سياسية لا تنتج سوى المزيد من الخراب..؟!
في كل معارك الدنيا وصراعات البشر – باختلاف ألوانهم ومشاربهم وعلى مر العصور – هنالك دوماً مساحة رمادية ضاجة بالتعقيدات وحافلة بالتناقض، لكنها أيضاً غنية بأوجه الشبه الإنساني وموجبات الالتقاء مع بعضنا كأُناس والانتماء إلى بعضنا كبشر. لا يمكن للإنسانية أبداً أن تختزل نفسها في خير صرف أو شر محض وفقاً لما يكتب في “خانة” الجنسية والديانة لأي هوية رسمية. إن تنقية حقيقة الإنسان – المعقدة في جمالها والجميلة في تعقيدها – تبسيط مُخِل بعمقها وثرائها الذي يلتف حوله البشر بحياد يؤنسن أفعالهم ويرتقي بانتماءاتهم..!
إن كان الإيمان هو ما يفرق الناس فإن الشك هو ما يوحدهم. حَريٌّ بنا إذن كمسلمين أن نستثمر شكوك الآخرين حولنا بتحويلها إلى يقين إيجابي، لا أن نبددها بتأكيد السيئ منها. وقد يؤدي بنا التعقل – في مثل هذا المقام – إلى نار الظلم أو جنة العدل، لكنه سيؤدي بنا إلى مكان ما هو حتماً أفضل مما يدعو البعض إليه. وليتنا نتذكَّر أننا عندما نكظم غيظنا – ونسعى إلى التغيير الإيجابي بأرقى الوسائل – لا نُغيِّر الماضي بل نُغيِّر المُستقبل..!

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى