سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع .. 

10 يونيو2022م

محمد الأمين .. عبقرية توظيف التراث الغنائي الشعبي!!

(1)

نشأة محمد الأمين في السودان المصغر ولاية الجزيرة وتأثره بفنون تلك المنطقة التي جمعت كل اهل السودان، وهم محملون بثقافاتهم الغنائية والصوفية المتنوعة، هذه النشأة والتأثر اصبحا يمثلان جوهراً اصيلاً قيما ودينمو محرك في شكل تأليف معظم الالحان التي قدمها محمد الامين ، فنجد محمد الامين والذي ظهر بقوة في شكل الحانه الوطنية والايقاعات التي تبث الحماس في الروح والمتفاعلة مع وجدان المواطن السوداني.

(2)

نجده ايضاً يدخل بعض الأنماط الغنائية الشعبية المنتشرة في السودان مثل اغاني الحماسة، والمناحة ، والدوبيت، بل عندما يتناول اغان من المراحل الفنية السابقة كان يدخل عليها عنصر الابداع الموسيقي في شكل الموسيقى المصاحبة ولدخال اللزمات الموسيقية وكان هذا واضحاً في اغنية الحقيبة (بدور القلعة) التي وضع كلماتها الشاعر الراحل صالح عبد السيد (أبو صلاح) هذه الاغنية قدمها محمد الامين وهو في بداية حياته الفنية في نهاية الخمسينات وبداية الستينات واشتهر بها في مدينة ود مدني، كما قدم اغنية (جاني طيفو طايف) (من قليبو الجافي) ( عازة الفراق بي طال).

(3)

اما في مجال اغاني الحماسة قام بوضع اللحن لاغنية (عيال ابجويلي).. وعيال ابجويلي هم اسرة كبيرة اشتهرت بالكرم والشجاعة والتجارة بمنطقة (المسلمية) ولاية الجزيرة، وفي اثناء تجارتهم بمنطقة غرب السودان قابلتهم قافلة من قطاع الطرق ولكنهم انتصروا عليهم وظهرت الأشعار التي تمجد شجاعة هذه الاسرة (ابجويلي)، فقام محمد الأمين بحفظ بعض منها بمساعدة إحدى حبوباته ووضع عليها اللحن المعروف على إيقاع العرضة الحماسي المعروف والذي يميز كل منطقة البطانة.

(4)

في تجربة أخرى مستلهمة من الموروث الشعبي، ظهرت واحدة من أشهر أغانيه المناحية وهي (قرار العبوس) هذه المناحة تنسب إلى امرأة كانت تبكي الشيخ عبد الباقي في وفاته، كانت تؤدي فيها الكلمات الشعرية التي تعبر عن الشيخ عبد الباقي ومكانته السامية  وفي لحن دائري وبسيط، أخذ محمد الامين هذه الفكرة البسيطة ونماها وطورها من الناحية الموسيقية والادائية وقدمها لجمهوره واصبحت من أشهر اغانيه المناحية يؤديها في مناسباتها المعينة.

اما في مجال الدوبيت كانت النتيجة واضحة لمبدع تغذى بتراثه واستلهم منه ألحانه وذلك بإدخال فن الدوبيت في بعض مؤلفاته الغنائية،   وذلك كان واضحاً في أغنية (جديات العسين) والتي ادخل عليها محمد الامين مجموعة من اشعار الدوبيت وبألحانه البسيطة والمتنوعة.

(5)

واغنية (زورق الألحان) والتي صاغ كلماتها الشاعر فضل الله محمد وفي الكوبليه الأخير للأغنية وعند البيت الشعري (بيتين من الدوبيت في ليلة صيفية) هنا تتوقف الموسيقى ويصبح هنالك حوارٌ ما بين آلة الكمان الصولو ومحمد الأمين، تبدو آلة الكمان وكأنما تؤدي لحناً من ألحان الدوبيت البسيطة ويليها محمد الأمين بالدوبيت الذي أدخل عليه بعض الأبيات الشعرية من كلمات الشاعر محمد علي جبارة.

(6)

لم يبتعد محمد الأمين في تناوله في تأليف أعماله الغنائية عن تراثه، بل استفاد من الأفكار اللحنية البسيطة التي تؤديها النساء وخاصة الحبوبات في بيوت الافراح، مثل الاغنية الشعبية والتي يعرفها كل السودانيين (العديل والزين) وهي أغنية تقدم فقط للعريس تمجده وتقدم له الثناء والحياة الزوجية السعيدة.

أيضاً تجلّت عبقرية محمد الامين في مجال التأليف  والاستفادة من فن الدوبيت في أغنية (حروف اسمك) للشاعر هاشم صديق وذلك في شكل التأليف واستخدامه لكل نغمات السلم السبع.

(7)

وذلك التطوير والتجديد تقبلتها الاذن السودانية التي تعودت على سماع الخمس نغمات بدون النفور منها، الجانب الآخر والمهم في هذه التجربة هو الكيفية التي استفاد بها محمد الامين من الفكرة اللحنية للاغنية الشعبية (العديل والزين)، وذلك في الجزء الاخير من الاغنية، وتعود محمد الأمين ولسنوات طويلة يقدم هذه الأغنية في بداية أي مناسبة فرح ويظل يردد الكوبليه الأخير عدة مرات فرحة بالعرسان.

(8)

تجربة الفنان محمد الأمين تعبر عن المبدع الذي ارتبط بوجدان شعبه مستفيداً من تراثه وتشبع به منذ نشأته الاولى بمدني، إضافةً إلى وعيه المبكر بدراسة النوتة الموسيقية وعلوم الموسيقى الأخرى مثل القواعد والصولفيج ومهارته العزفية على آلة العود، كل هذه العوامل والتأثيرات التي تفاعلت معها جعلت محمد الأمين يبتكر ويجدد ويطور في شكل الخماسي، فبعد معرفته للسلالم الموسيقية وكيفية استخراجه لها وإضافة النغمة السادسة للخماسي، واستخدامه في كثير من الأحيان إلى كل درجات السلم السبع، ظهرت موهبته المستندة على العلم وذلك في شكل الانتقال ما بين السلالم، من السلم الكبير إلى الصغير، الانتقال المباشر، وذلك في شكل سلس وبسهولة لا ينفر منها المستمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى