بستان الحلنقي

 

إسماعيل حسن

كان الشاعر الراحل إسماعيل حسن من أقرب الشعراء إلى نفسي، أذكر إنه حين استمع أول مرة إلى أغنيتي «جرّبت هواهم» للفنان محمد وردي، قال لي: إن كلمات هذه الأغنية تحتاج إلى عمق أكثر في بعض المقاطع، إلا أنك تحايلت عليّ بالتدفق العفوي في الإيقاع الموسيقي للأحرف المنغّمة، ما جعلني أشعر أنها تحمل بعضاً من ملامحي الجميلة عدا هذا الأنف الضخم، وأشار إلى أنفه وهو يضحك عالياً.

كان هذا المبدع شامخاً كأنه مسكنه السحاب، بسيطاً كظلال أشجار الأراك. كان أول من أعلن أنه لن يقبل هواناً من امرأة أحبهاً فكتب أغنية «بعد إيه جيت تصالحني» ما دفع عدداً من شعراء الحقيبة إلى الهجوم عليه، حيث أنهم لم يتركوه يستريح ساعة واحدة، باعتبار أنه أعلن عصياناً على الشعر الطويل والخصر النحيل وليل يا ليل، إلا أن الشاعر الكبير واصل عصيانه فكتب أغنية «غلطة كانت غرامي ليك» ثم أعقبها بأغنية «يا ما بكره تندم». لقد تعلم شعراء تلك المرحلة من «أبو السباع» أن يموت الإنسان واقفاً خير له ألف مرةً من أن يموت راكعاً.

بليغ حمدي

* ظل الموسيقار «بليغ حمدي» يردِّد في كثيراً من مقابلاته الفنية أنه يعتبر الموسيقار «محمد عبدالوهاب» أكبر مقتبس للألحان الموسيقية في مصر. وقال إنه يتميَّز بقدرة هائلة على الصيد السهل للجملة الموسيقية التي تعجبه الصادرة عن أي لحن غربي، ثم يعمل على مزجها بحسه الشرقي ثم يخرج بها للناس لحناً يتفجَّر طرباً، وبما أن معظم الموسيقيين في مصر كانوا يعلمون عن عداء خفي يكنّه «بليغ» للموسيقار الكبير فإن أحداً منهم لم يصدقه، بل كانوا يتندّرون عليه باعتبار أنه يسعى لبيع الطماطم في سوق باريس المعبأ بالثريات.

مصاصي الدماء

* أن تصدر محكمة سودانية حكماً مخففاً على ذئب بشري اغتصب طفلاً فإن ذلك قد يدفع بقية الذئاب من مصاصي دماء البراءة من ارتكاب هذا الفعل مرة أخرى باعتبار أن من يرتكبه سيتعرَّض إلى أشهر من السجن يعود بعدها إلى الاختلاء بطفل آخر وبذلك تتوالى مسرحية القتل للأبرياء ولا عزاء للأطفال. أذكر أن الرئيس الأثيوبي “منقستو هيلا مريام” أمر بوضع رأس خباز من أقربائه داخل فرن ملتهب بمجرَّد أنه باع للشعب الأثيوبي خبزاً ناقص الوزن، ونحن هنا علينا ألا نتساهل مع ذئاب تلتهم لحم أطفالنا، بل علينا أن نعمل على رجمهم وهم أحياء على طريق عام.

العاقب محمد حسن

* كنت أحبه صديقاً، لا أمل الجلوس إليه ساعات طويلة، ولكنه ذات يوم ونحن نتحدث عن أصوات لعدد من المطربين وعن مدى تأثيرهم على مشاعر المواطن السوداني، توقف الصديق عند صوت الفنان العاقب محمد الحسن، مؤكداً أنه صوت هامس لا يطرب فأصابني في مقتل وقبل أن أودعه قلت له: إن الإنسان الذي لا يطرب لصوت العاقب ليس إنساناً إنما هو مجرَّد صخرة باردة الإحاسيس ومن يومها انتهت علاقتي بهذا الشخص، بل أحسست أن مجرَّد نظرتي إليه تعد حراماً على عيناي، ليته يعلم أن دموعي لم تزل تبكيه حتى هذه اللحظة ويعلم -أيضاً- أن سنواتي الطويلة من الاغتراب لم تتمكَّن من الاستيلاء على دمعة مني ولكن العاقب كاد أن يأخذ روحي وهو يغادر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى