Site icon صحيفة الصيحة

الخرطوم.. عاصمة تقبع بين (تلال) النفايات

 (33) طن نفايات طبية يومياً تنتجها ولاية الخرطوم

مواطنون: النفايات أزمة استعصى حلُّها على كل الحكومات المتعاقبة

مسؤول: التخلُّص من النفايات مسؤولية مجلس المحليات والبلديات

مجلس البيئة: التعامُل مع النفايات يحتاج لتخطيط علمي وإداري

مراقبون: نافذون حاربوا شركة الخرطوم للنظافة رغم نجاحها

خبراء: السياسات السابقة فشلت في معالجة نظافة العاصمة 

تحقيق:  محيي الدين شجر

حينما تعيش أي دولة عدم الاستقرار تغيب الخدمات، وحينما تصل أي دولة مرحلة الحكومة واللاحكومة تغيب المسؤولية، وإن كان هنالك مسؤولون.. وفي مناخ اللاوعي السياسي وعدم الثقة تبرز مشاكل الدولة في الهواء الطلق، فنرى العجب العجاب.

الخرطوم الآن تسبح في انهار من النفايات، بسبب غياب عربات النظافة في الأحياء وفي الأسواق، نتيجة لعدم الاستقرار الذي تعيشه الدولة السودانية، رغم اجتهادات المجلس العسكري ومحاولاته المستميتة لإعادة الحياة من جديد..

ولقد ظلت النظافة بولاية الخرطوم من أكبر المشكلات التي كانت تواجه مسؤوليها، حيث تنقلت المسؤولية بين عدة جهات، وتعدُّدِ المسؤولين، ولكن كانت النتيجة دائماً هي الفشل الذريع،  فقد استعصت على كل الحلول، وأصبحت أزمة استحال حلها على مر الحكومات المتعاقبة.

الأسواق

حسب متابعة “الصيحة” فإن الأوساخ تكثر بالأسواق كسوق أم درمان وسوق بحري والسوق المركزي بالخرطوم وسوق حلة كوكو والسوق المركزي بجنوب الخرطوم وشمبات، وحال الجزارات وأسواق الأسماك حدِّث ولا حرج.

كما رصدت “الصيحة”، ازدياد للنفايات على جنبات طرق الاسفلت بعد أن وجدها المواطنون مكاناً مناسباً لوضع مخلفاتهم التي للأسف الشديد تحوي بقايا الطعام، الشيء الذي أوجد أسراباً من الكلاب الضالة والقطط التي تركت المطاعم ووجدت ضالتها في أرتال النفايات، أضف إلى ذلك جيوش الذباب التي جذبتها رائحة الطعام المتعفّن..

وضبطت “الصيحة” بقالات كبيرة تقوم بوضع نفاياتها في الطرق الرئيسة، كما رصدت نفايات طبية على قارعة الطرق مشكلة مهدداً صحياً كبيراً لمن حولها خاصة الأطفال المشردين الذين يقومون بنبش النفايات بحثاً عن الطعام وبعض القوارير التي يقومون ببيعها.

غياب عربات

تحدث مواطنون بمحليات الخرطوم  لـ (الصيحة) بقولهم إن عربات النفايات التي كانت تجوب الأحياء أصبحت من الماضي ونسياً منسياً، في حين لم يغِب متحصّلو النفايات شهراً واحداً، فأصبحت العملية مجرد جباية دون مقابل.

وقال المواطن عمار القاضي من سكان حي النصر شرق النيل، إن النفايات أصبحت هاجساً لسكان الحي. وقال إنه أصبح ينقل نفاياته بنفسه ويضعها في مكبات النفايات التي خصصتها المحلية للأحياء، إلا أنه اشتكى من عدم متابعة المحلية لتلك المكبات وتركها لفترات طويلة، حيث تصبح ملاذاً للكلاب الضالة. وذكر القاضي، أن أكثر ما يقلقهم في الحي كثرة الأكياس البلاستيكية، وقال إنها أصبحت تغزوهم من كل الاتجاهات، وتساءل بقوله أين قرار والي الخرطوم السابق عبد الرحيم محمد حسين، بمنع التعامل بأكياس البلاستيك، مشيراً إلى أنه قرار لم يجد المتابعة، بل يعتبر لعباً على الذقون، لأنهم منعوا أكياساً محددة واستعانوا بأكياس أخرى قالوا إنها لا تضر بالبيئة.. وكأهم يريدون الاتجار بالأنواع الجديدة من الأكياس لصالح أشخاص بعينهم.

خطورة الأكياس

وكان المجلس الأعلى للبيئة بولاية الخرطوم في احتفاله بيوم الأرض في العام الماضي 2018 اعتبر الأكياس البلاستيكية أخطر الملوِّثات البيئية لكوكب الأرض لحاجتها عدة سنوات لتتحلل.

ملف شائك

وتحدث لـ (الصيحة) مسؤول بالمجلس الأعلى للبيئة بقوله إن النفايات واحدة من أكثر المشكلات تعقيداً بولاية الخرطوم، حيث يفتقر التعامل مع ملف النفايات إلى التخطيط العلمي والإداري والدراسات العميقة. وقال إن حكومة ولاية الخرطوم كانت أقرت  بعجزها عن التخلص من (75%) من النفايات بالولاية التي يقطنها حوالي (8) ملايين نسمة وتنتج حوالي (7) آلاف طن من النفايات يومياً.

وذكر أن الولاية كانت خصصت 717 آلية لنقل النفايات، ولكن معظمها تعطل وأصبحت الآليات العاملة في حدود 100 فقط، مشيراً إلى أن بعض الآليات فاقدة الصلاحية لتجاوزها العمر الافتراضي. وأشار إلى وجود محطات وسيطة يتم نقل النفايات إليها من أماكن تجميعها بالولاية، ليتم فرزها قبل نقلها إلى المرادم، بحيث يتم فرز أنواع النفايات عن بعضها, النفايات الصلبة والمعادن والمواد البلاستيكية والنفايات الطبية وغيرها. مضيفاً: كانت تقع مسؤولية التخلص من النفايات بولاية الخرطوم على عاتق مجالس المحليات والبلديات، وكان يتم تمويلها من الرسوم المحلية والعوائد، وبعد زيادة عدد السكان وتغير نمط الحياة والاستهلاك ونوعيته، ازدادت المخلفات بالولاية، لذلك لجأت المحليات إلى فرض رسوم لنقل النفايات يتم تحصيلها من المنازل والمحلات بشكل منفصل عن إيرادات المحلية الأخرى، واستخدمت المحليات هذه الأموال في الصرف على توفير الآليات وتوظيف العمالة الثابتة والمؤقتة، مشيراً إلى غياب عربات النفايات هذه الأيام حيث لم تتحصل المحليات أي رسوم من السكان ربما لعدم وجود عربات صالحة للعمل. وقال إن الفشل في التخلص من النفايات كان بسبب عدم وجود سياسات وخطط تستند على إحصاءات علمية لمقابلة تلك الزيادات السكانية، والتمدد الأفقي لولاية الخرطوم. مضيفاً: في محاولة لمعالجة المشكلة من الناحية الإدارية قامت حكومة الولاية بنقل الإشراف على النفايات من رئاسات المحليات إلى رئاسة الولاية، وذلك عبر إنشاء هيئات ولائية تعمل مع المحليات في معالجة وإدارة ملف النفايات، فأنشأت في العام 2001 مشروع نظافة ولاية الخرطوم الإسعافي، ولكنه فشل في معالجة المشكلة بسبب سوء الإدارة الذي صاحب تنفيذ ذلك المشروع، إضافة إلى توقف التمويل الذي كان يحصل عليه من الحكومة الولائية. وزاد بقوله:  بعد فشل مشروع نظافة ولاية الخرطوم، تم إنشاء هيئة نظافة ولاية الخرطوم للقيام بنفس المهام، وكانت تتبع المجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية، وتؤدي مهامها بالتعاون مع المحليات في إدارة ملف النفايات، حيث كانت تضطلع بدور الإشراف على المحطات الوسيطة ومرادم النفايات، إضافة إلى الإشراف على أداء المحليات في أعمال النظافة والنفايات.
وقال: بعد تصاعد التدهور في قطاع النفايات بولاية الخرطوم والذي  وصل إلى قمته في العام 2015
تمت الاستعانة بشركات متخصصة في نقل النفايات إلا أن اختيار الشركات كان يتم بناء على المحسوبية، حيث دخل المجال عدد من الشركات لا تملك الخبرة والدراية، ولا تملك الآليات، وكانت شركة الخرطوم للنظافة من أكثر الشركات نجاحاً في عملها، إلا أنها حوربت من قبل نافذين في النظام السابق، وتمت خصخصتها، وأوكل العمل لـ12 شركة للنفايات، لم تحقق النجاح المأمول نتيجة للفساد الذي اعترى عملها.

  وقال: الآن ونتيجة للفراغ الحالي أهملت النفايات بولاية الخرطوم، حيث لم تجد المتابعة من المسؤولين، مؤكداً أنهم يستبشرون خيراً بحديث والي الخرطوم الجديد في العمل على إيجاد حلول لمشكلة النفايات بالولاية.
الشركات العاملة بالنفايات
أشار مصدر للصيحة إلى وجود عدة شركات تعمل في مجال النفايات بولاية الخرطوم، مثل  شركة أوزون المغربية، والتي قال إنها كانت تسيطر على نصيب كبير في قطاع النفايات بمحلية الخرطوم وتعمل بمنطقة وسط الخرطوم وبعض الأحياء بمنطقتي شرق وجنوب الخرطوم، كما كانت تعمل على إزالة النفايات بالقطاع السيادي بمنطقة الوزارات والقصر الجمهوري وبيت الضيافة ووزارة الدفاع والمواقع الحيوية على شريط النيل الأزرق، في مقابل مبلغ شهري يصل إلى (3,8) مليون جنيه سوداني.
وقال إن شركة كوستيلا كانت تعمل في قطاع الخرطوم شمال، قبل أن يتم إلغاء عقدها بعد أن فشلت في الالتزام ببنود التعاقد نتيجة لتأخر المحلية في سداد مستحقاتها المالية التي بلغت أكثر من (5) ملايين جنيه، وتم إحلال شركة أوزون المغربية مكانها، دون طرح مناقصة لتتنافس عليها بقية الشركات العاملة. وذكر أن شركة الرياض كانت تعمل في القطاع السكني من الدرجة الأولى الذي يشمل حي المجاهدين جنوب شرق الخرطوم بعقد تصل قيمته إلى (300) ألف جنيه شهرياً.
النفايات الطبية
وأشار المصدر إلى أن ولاية الخرطوم تفرز حوالي (33) طناً من النفايات الطبية يومياً .

إلى والي الخرطوم

كاميراً “الصيحة” طافت بمحليات الخرطوم وأسواقها، وسجلت المستوى المتردي من خدمات النظافة بولاية الخرطوم، على أمل أن يجد والي الخرطوم الفريق الركن أحمد عبدون حماد، والذي أدى القسم قبل يومين حلًا لها، خاصة وأنه صرح بُعيد تعيينه بأنه سيولي النظافة بالولاية عنايته.

Exit mobile version