تنوّعت بين الدولية والإقليمية

الغرباء .. هل يُفلحون في رأب صدع الأشقاء؟

الخرطوم: مريم أبشر

درج السودانيون وفق مراقبين على تعليق أمر حسم مشكلاتهم الداخلية على الخارج منذ الاستقلال، وكأن حواء السودان عقمت عن إنجاب عقلاء يضمدون جراحها ويجتمعون على حل وسط لمشكلاتهم ذات الطابع الفردي حتى لا تثخن جسد الوطن جراحاً ترعف دماء الوحدة والرفاهية والكرامة، وما إن اختلفوا  حول من يجلس ويتربع ويمدد إقامته على كرسي الرئاسة حتى انسحبت معايير المصداقية والشفافية إلى أقصى حد للتقليص، وهرعت النخب المتصارعة على جيفة الوطن الجريح تستجدي الدعم وتزيف المعايير من خلال رؤى مختلفة ومعايير متباينة ومكائيل يطففها الميل الشخصي والهوى المصلحي إقليمياً ودولياً لعلهم يحظون بدعم يموه معايير الاختيار والترشيح بأعين المواطنين المطحونين ليقبلوه رغباً وزهداً ويأساً يسوس ما تبقى من اقتصاد منهار وبنية تحتية متهالكة، وسواء صدقت نية الغرباء أو شابها الكثير من الشماتة ودس المصالح، ليس للشعب السوداني خيار من مما ليس  منه بد.

تعدد المبادرات

ما إن ساءت العلاقات بين قوى إعلان الحرية والتغيير المحرك الفاعل في الثورة الشعبية التي عمت كل أنحاء البلاد، والمجلس العسكري الانتقالي الذي انحاز للثورة، وأزاح رأس النظام المخلوع في الثلاثين من أبريل الماضى منهياً ثلاثين عاماً من حكم الإنقاذ، كأطول  فترة حكم تمر على السودان منذ استقلاله، إلا وتواترت على السودان جملة من المبادرات الخارجية إقليمياً ودولياً، كل منها تمني النفس بنيل شرف الظفر بأنها أسهمت في تقريب المواقف ولملمة الأطراف إلى مائدة حوار تكون جادة، تغلب مصالح شعب توّاق للحرية والانعتاق واكتوى بنيران السوق وجشع الطامعين من تجار استغلال الفرص الانتهازية على مصالح القوى السياسية الذاتية. كما هو معلوم، وفقاً لتأكيدات رسمية من قبل الاتحاد الأفريقي كأول جهة إقليمية اعتبارية بادرت  بطرح رؤية للوساطة بين الأطراف، فإن أي محاولات للتوسط بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، يجب أن تكون تحت مظلة الاتحاد الأفريقي التي بات يقودها رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد للرئيس الحالي لمنظمة الإيقاد المعنية بالنظر في المشكلات بين وداخل دول الاتحاد الأفريقي، إلى جانب تحرك أبي أحمد المسنود إفريقياً، شهدت الفترة الماضية حراكاً لمساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية تيبور ناجي، وتعيين مبعوث خاص هو المستر جون بوث فضلاً عن حراك آخر افترعته الجامعة العربية عبر زيارة قام بها الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، والتقاؤه بالأطراف الفاعلة في الأزمة، قبل أن يُنهي زيارته بأديس أبابا أسوة بمساعد وزير الخارجية الأمريكية، باعتبار أن أديس باتت المحرك الرئيسي والفاعل الرسمي لأي مبادرات ووساطات تصب لصالح حل المشكل الراهن في السودان، غير أن أحدث المبادرات المطروحة على المائدة السودانية، هي مبادرة الرئيس الجنوب سوداني سلفاكير ميارديت .

الجار الأقرب

بالأمس، دخلت جوبا من باب رد الجميل في خط الحراك الخارجي الساعي لاحتواء الخلافات التي تفجرت بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير بابتعاث الرئيس سلفاكير لمستشاره الأمني توت قلوك حاملاً مبادرة لتقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف السياسية السودانية سلمها لرئيس المجلس العسكري الفريق ركن عبد الفتاح البرهان بالقصر الجمهوري، ورغم استلامه المبادرة، إلا أن  المجلس العسكري السوداني أكد رفضه التدخلات الخارجية.
شدّد البرهان على رفض التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الداخلي. وقال إن المجلس لن يقبل بأي حلول يمكن أن تؤدي لإقصاء أي طائفة، وأكد  في خطاب ألقاه أمام مجموعة من منسوبي القطاع الطب، أن الحل يجب أن يكون سودانياً. مضيفاً أن المجلس كان على علم بوجود جهات مشبوهة في ميدان الاعتصام قبل فضه في الثالث من يونيو تحمل المجلس وجودها بحثاً عن فرص السلام، ودعا قوى الحرية لاستئناف الحوار، وشدد على أنهم لن يدعوا البلاد تنزلق نحو الفوضى، غير أنه أعاد التأكيد على أن القوات المسلحة لا ترغب في الحكم وانحازت فقط لرغبة الشعب.

وفي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تبحث وفود من منظمة دول الإيغاد عن بلورة موقف موحد بشأن السودان لطرحه في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأفريقي غداً.

وأكد الوزراء المشاركون بالجلسة الافتتاحية، أهمية مشاركة المدنيين في السلطة بالسودان، ووقف العنف والعودة إلى طاولة المفاوضات، كما عبروا عن دعمهم لجهود رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في وساطته الرامية لرأب الصدع بين أطراف الأزمة.

من جانبه، أكد المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد لبات أن أي قرار تتخذه منظمة الإيغاد بشأن السودان سيلقى دعماً قوياً من الاتحاد والمجتمع الدولي.

وشدد في تصريح للجزيرة على أهمية اتفاق كافة الأطراف السودانية على مرحلة انتقالية ديمقراطية يتبوأ فيها المدنيون المكانة الأولى، حسب تعبيره.

المبادرات الوطنية

بالمقابل، شهدت الساحة الداخلية حراكاً كثيفاً من قبل القوى السياسية الحية والفاعلة من أجل إيجاد أرضية تصلح لتسوية الخلافات وتجميع القوى السياسية لرسم خارطة جديدة للسودان تستوعب المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد في تاريخها الأحدث .

زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، يرى  أهمية تجميع كل المبادرات الوطنية في مبادرة واحدة، من أجل تحقيق المصالحة الوطنية والوصول لاتفاق حول ترتيبات الفترة الانتقالية، وأن تكون هي الأساس والجهود الدولية داعمة لها. ويعتقد المهدى ان المبادرات التي  تنشط في الساحة، ستؤدي إلى التقريب والتوفيق بين الأطراف تساعد في الخروج برأي موحد حول الفترة الانتقالية

ترقب وانتظار

الأوساط السياسية الداخلية والخارجية المراقبة لتطورات الأوضاع تتوقع أطروحة جديدة لتقارب المسافات بين المجلس العسكري وقوى التغيير يحملها مبعوث الرئيس الأثيوبي ومندوب الاتحاد الأفريقي المتوقع وصولهما للخرطوم مباشرة عقب انتهاء اجتماع المجلس التنفيذي للإيقاد . ووفق مراقبين أن وساطة أبي أحمد  المسنودة من قبل الاتحاد الأفريقي أسهمت في تهدئة الأوضاع بين الأطراف  في أعقاب الغضب الذي فجرته وحشية فض الاعتصام التي راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء .

يتوقع مراقبون في حال حدوث تقدم عقب دخول ممثل رئيس الوزراء الأثيوبي في مشاورات مع الأطراف زيارة ثانية لأبي أحمد  للخرطوم لدفع الوساطة وتقريب مساحات التباعد بين الأطراف وصولاً لحلول وسطى تجنب السودان شبح الفوضى والتقسيم

مخاوف التدويل

برغم إصرار الاتحاد الأفريقي على جعل كل الجهود والمساعي الرامية لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية، يجب أن تكون تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، إلا أن مراقبين أبدوا مخاوف وفق للمعطيات من تدويل الملف في ظل تمترس الأطراف حول مخاوفها، وتعدد الأطراف الراغبة في التدخل،  ويرون أن التفاوض هذه المرة لن يكون بشكله القديم، وإنما يتطلب نمطاً آخر يجعل من  تدخل الرقابة الدولية واقعاً لا فكاك منه، وحمّل المراقبون المجلس العسكري مسؤولية إقحام المنظومات الدولية بسبب ضغوط خارجية أوقعت البلاد في هذا المصير بسبب التعنت .

مخاوف مشروعة

البعض أبدى مخاوفه من لجوء الأطراف للتمترس خلف مطالبها في وقت  تبدو فيه أحوال الشعب السوداني تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، في ظل الظروف السائلة التي تعيشها البلاد.

قوى الحرية والتغيير رهنت في وقت سابق   العودة  للمفاوضات بشروط أبرزها لجنة تحقيق محايده برقابة دولية بجانب إطلاق سراح المعتقلين وفك أسر الانترنيت  والحريات  وسحب مظاهر الجيش الذي بدأ بالفعل تدريجياً.

ربكة المشهد

بخلاف لمن يعتبرون أن تعدد المبادرات الإقليمية والدولية للمساهمة في حل الأزمة في السودان يرى  الدكتور والمحلل السياسي صلاح الدين الدومة أنها ربما أحدثت ربكة في المشهد السياسي في السودان، وأن كثرتها تشل الجهود، غير أن الدومة أشار في حديثه للصيحة، الى اختلاف المبادرة الأثيوبية التي يقودها أبي أحمد والتي اعتبرها الأساس فضلاً عن  إسنادها من  قبل الاتحاد الأفريقي، وأن كل الجهود الأخرى مساعدة لها فقط.

 وأشار الدومة في هذا الصدد للاتصال الذي أجرته الحكومة مع قوى الحرية والإعلان عن التعرف على مطلوباتها توطئة لوضعها أمام الاتحاد الأفريقي والوسيط الأثيوبي خلال اجتماع الأمس بأديس أبابا، ولم يستبعد الدومة حال فشل الأطراف في التوصل لحكومة مدنية حتى الثلاثين من يونيو الجاري فرض عقوبات على السودان تضاف إلى تعليق عضويته في الاتحاد الأفريقي التي تمت عقب مجزرة فض الاعتصام، مضيفاً وفقاً لمعلوماته أن الاتحاد الأفريقي مارس تعنيفاً على الرئيس التشادي إدريس دبي لاستقباله لرئيس المجلس العسكري باعتبار أن بلده معلق العضوية، ولم يستبعد الدومة عقوبات جديدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

 ولفت في هذا الصدد لتمديد تفويض بقاء قوات اليوناميد في دارفور،  من قبل مجلس الأمن الدولي في ظل مخاوف بعد أن بدأت جداول سحبها من دارفور.

التحقيق الدولي

عدد من المبادرات نحت باتجاه تشكيل لجنة تحقيق محايدة في ملابسات فك الاعتصام، وما صاحبه من فظاعات ارتكبت بجانب فك حظر الانترنيت، حيث أشار مختصون إلى أن الحظر  سيكلف أكثر من مليار دولار في حال استمر لثلاثة شهور وفقاً لقرار المجلس .

المبادرات دلالة أهمية ولكن ..

للسفير والخبير إسماعيل أحمد في حديثه للصيحة رأي آخر، حيث أشار إلى أن كثرة المبادرات يمكن أن تسهم إلى حد ما في تقريب وجهات النظر بين الأطراف، غير أنها في المقابل من شأنها إحداث تشويش وربكة في المشهد العام للأحداث في السودان. وأضاف كذلك أن كثرة المبادرات والحراك دليل أهمية السودان وحرص الأطراف الدولية والإقليمية على حدوث استقرار وسلام في ربوعه، ومضى في ذات الاتجاه سفير ـ فضل حجب  اسمه، بتأكيده على أن كثرة المبادرات دليل على الاهتمام بما يجري في السودان، ويعتبر السفير  في حديثه للصيحة أن مبادرة الرئيس سلفاكير تعد استكمالاً لجهود ابتدرتها جوبا عقب إسهام السودان في تسوية الأوضاع بالجنوب من باب رد الجميل باعتبار أن الحركة الشعبية فرع الشمال لديها علاقة عضوية بالحركة الشعبية الأصل سواء في شقها العسكري او السياسي، غير أن الأحداث المتسارعة في السودان، أوقفت تلك الجهود. ويضيف أن الجهود الأخرى الإقيلمية ممثلة في مبادرة أبي احمد والاتحاد الأفريقي والمساعي الدولية تصب كلها باتجاه تقليص الفجوة بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير.

 ويعتقد السفير أن السودان إذا ما أفلح في إدارة تلك المبادرات بحكمة مدروسة، فإنها لن تعقد المشهد، بل يمكن أن تساهم في تسهيل الأوضاع حتى بعد الفترة الانتقالية، باعتبار أن السودان تنتظره عدة ملفات أهمها رفع اسمه من قائمة الإرهاب والتي يسهم وجود الطرف الأمريكى لحد كبير في حسمها، فضلاً عن أن السودان لديه تركة ديون مثقلة تتبنى إعفاءها مجموعاته الإقليمية الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية يدعمها في ذلك الوجود الفاعل للسودان من قبل الأمم المتحده والاتحاد الأوربي، ويعتقد أنه إذا أفلح السودان في إدارة ما يحدث فيه وتجاوزه بفعل الاستفادة القصوى من الحراك الإقليمي و الدولي فإن  نتائج ملموسة آنية ومستقبلية سيقطفها الشعب السوداني جراء ثورته التي راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء الشباب الذين كانوا يحلمون بوطن يسع الجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى