علي  مهدي  يكتب : الطيب صالح تمشي سيرته العطرة بين مركز كندي للفنون ومكتبة الكونغرس الأمريكي في واشنطن

 

14 مايو 2022م

مسرح (الملينيوم) – مركز كندي للفنون – واشنطن يشهد فرجة (عرس الزين) بعد عرضها الأول في القاهرة

 

 

 

الطيب صالح نستعيد سيرته العطرة في مكتبة الكونغرس بواشنطن احتفاءً واستذكاراً

 

مسارح وقاعات مركز كندي للفنون في واشنطن تحتفي بسيدي الطيب صالح

 

 

 

عُدت يا سادتي أمشي في الطريق المستقيم أحياناً، بلا تردد، وهو كان دوماً يفضي بي لمواطن الحُسن والجمال، وتارة ينحني ويجعل الجسر الصغير يتدحرج لمسافة، ثم يعود يستوي، طريق فاخر مُتّسعٌ، مُتعدِّد الجوانب، عليه العماير بأحجامها المتغيرة، وألوانها، والتصاميم البديعة تُضيف للمسافة بين مكتبة (الكونغرس الأمريكي) في (واشنطن).

ومركز (كندي) للفنون، يجالس النهر الأخضر (البوتمك)، والطريق يسرع بالخطوة نحو المبنى الأقدم فيك يا مدينة السحر الكبير، وبعض منه حاضرٌ، وأسهم بقوة في صنع التواريخ الأقدم. أضحت مدينتي (واشنطن) الأحب، تصنع التواريخ الأحدث، وإن بعدت عنها جغرافياً أو غير ذلك، تتداخل في الكثير من أحداث العصر. وإذا نظرت ثم نظرت لكان عندك منها التصاوير مُبهجة أو غير ذلك أيضاً. تواريخ دول وأمم، وحكايات تجعل محبتي لها المدينة الساحرة منطلقاً للكثير من حضوري فيه الغرب الأقصى، وأمريكا في الخيالات البعيدة صحراء بلا رمل، وجبل بلا صخر، وماء وغدير لا يجري او يسيل، ورجال وسيدات وأطفال عُرفوا وطنياً بالآباء المؤسسين، لهم في كل الخواطر فسحة ومكان بين تقدير للأدوار ونظرة لما حدث راهن وقادم. تلك الأماكن فيها مدينتي الأحب (واشنطن)، دخلتها أول مرة والعمر يمشي في ساحات البحث عن فرص أوسع للإبداع وأكثر، جئتها احمل تصاويري من تجاربي الإبداعية الأولى، فيها انتصارات التجديد، وفنون الأداء في وطني تُعاني ما تُعاني وقتها، والحاجة إليها الفنون كلها تتعاظم في وطن مُتقلّب الأحوال، على عهد السياسات الأولى، وكلها وإن اختلفت معها، وأين وقفت منها، لم تخرج عن أحلامهم الآباء المؤسسين للدولة السودانية الأحدث، بعد انتصارات كانت مفتوحة لفرص التغيير. والقارة الأم (أفريقيا) بعنفوان رواد الاستقلال فيها، من عند (جومو كنياتا) (ونايريري) والأحب عندي (نكروما). تلك التصاوير مع الحقائق في دفاتر التواريخ المجيدة كانت في خاطر المُشخِّصاتي الشاب. ويوم وقفت الأسبوع الماضي على مسرح جامعة (جورج تاون) هنا في (واشنطن) الأحب بلا تَردُّدٍ، قلت إنني أدعم اللقاء هذا، وعملت لكي ينجح بعد غياب لأكثر من عامين، منعته الجائحة، وأشياء أخرى من الحدوث. ولكنني مع إصرار الأحباب شركاء التأسيس، نلتقي هنا صباح يوم ماطر مع برد يمشي نحوي وحدي في المساء، ولا دواء له عندي، غير أوراقي وما فيها، وهي صحبة تتكرّر، فلقيت بعدها عروضاً لصحبة نيِّرة ومُبهجة بالقدر المُستطاع.

لكني أنا الأسعد بهذا الحضور الكبير من أكثر من قارة، ومائتين من المبدعين وأكثر، والأهم هو شبابنا من فناني المُستقبل هنا في الجامعة وكلياتها التي تقترب من دراسات الفنون المُعاصرة، بما فيها من تداخل مع العلاقات الدولية والدبلوماسية، وإنتاج الأفكار، لتمشي مع سياسات نتبناها هنا، وتذهب نحو أماكن صنع القرار الإقليمي والدولي، وقبلها الوطني.

فلما مشيت نحو مكتبة (الكونغرس الأمريكي) من جديد للرفاق فيها نبحث فرصة إعادة برامج الاحتفاء بسيدي الطيب صالح وقد تأجّل من مايو 2014. نعم زمن مشت فيه البقعة المُباركة ببرامجها نحو العالم، منفتحة بالقدر المُستطاع نحو الأفكار المجيدة والجديدة، وكانوا هم في المكتبة جزءاً منها، وقد زاروا البقعة المباركة، وشاركوا في فعالياتها، ثم تواصلوا مع المؤسسات الإعلامية والثقافية، وتبادلوا الأفكار والوثائق، وتحفظ مكتبة (الكونغرس الأمريكي) الآن عدداً كبيراً من أهم الإنتاجات الإبداعية  السودانية المُتنوِّعة، للبقعة المباركة الإسهام والمبادرة في بناء هذه العلاقات.  ثم زرتهم بعدها بدعوة كريمة، وقدمت وقتها مُحاضرتي الأولى فيها (أثر التصوف على المسرح المعاصر) سبقت بها أهلي من المُبدعين في فتح أبواب التعاون مع واحدة من أكبر مؤسسات المعارف الأمريكية، فيها غير السياسة أشياء أخرى، تسهم في حاضر العالم. فجئت ذاك الصباح لمحاضرتي الأولى عندهم، أحمل تصاويري من موقع العروض الأهم عندي في الوطن، ومدن أخرى في العالم، وفي كل الاتجاهات.

نظرت إدارة المكتبة، وجهات أخرى أمريكية حكومية، وفي مؤسسات تعنى بالتعليم والمعارف والعلاقات الأممية وأدوار الفنون في تعزيزها للعلاقات الثنائية، نظروا بتقدير كبير لتجربة المسرح في مناطق النزاع، كما فعلوا ذاك الصباح، وقدّمتني رئيس القسم العربي والشرق الأوسط للحاضرين، بعد أن وفروا كل المعينات التقنية. وأظنني يومها تجلّت الفكرة أفضل، ونظرت بعدها لما قلت يومها عنها فنون الأداء وأدوارها، ثم نفعني ذلك كثيراً في جولاتي بين عواصم الفنون في أنحاء المعمورة، أحاضر، أدير ورشاً للتدريب، أو أقدم عرضاً لواحدة من تجارب المسرح الوطني – مسرح البقعة. وقد حُظيت بفرص عرض متعددة في عواصم العالم، كما حصلت على تقدير زادني رغم العقد السابع الذي دخلت برقة فيه إصرار على أن نمضي بقوة أكثر، وبحرص الشباب للوصول الى منصات كبرى، كما افعل الآن، وقد أنهينا واحداً من أفضل اللقاءات بعد غياب، وسنعود للبقعة المباركة لنعيد ترتيب أوراق ذاك الاحتفاء الكبير بسيدي الطيب صالح هنا في (واشنطن) نُرتِّب البرنامج وكان يتضمّن ليلة افتتاح كبرى واختاروا المسرح الجميل داخل المبنى مع قاعات أخرى للمحاضرات والحوار، وأعدوا  الدعوات للافتتاح المقرر له الخامس عشر من مايو من العام 2014، وخرجت وقتها الدعوة الرسمية باسم سفير السودان في (واشنطن) وكان يقال في ظل تعقيدات السياسة والعلاقات السودانية الأمريكية يومها فيها ما فيها، لكن رغم ذلك، كنت حاضرا في المدن الأمريكية، أحاضر وأُدير ورشاً، أدرس فنون الأداء، وتقدم الفرقة التمثيلية لمسرح البقعة عروضها على واحد من أهم المسارح الأمريكية في مدينة الفنون (نيويورك) وعلى مسرح (لماما) عرض فرجة (بوتقة سنار)، كان انفتاحاً على دنيا المسارح كلها، وغير بعيد من شارع (بردوي) الأشهر، وفي ذاك الوقت والسياسة فيها ما فيها، لكنه سحر الفنون.

أول البارحة، عُدنا بذات الحرص مع الحماسة لنُعيد المُبادرة من جديد وقد أضحت الأمور الآن أفضل وغابت عنها معيقات لم تفكر أبعد من اختلافاتها العقدية، لا السياسية، وهي عندي وآخرون كُثر أن نمشي بها لغاياتها، وهو ما أظنني نجحت فيه خاصة الشركاء هنا في الولايات المتحدة الأمريكية، بكل تفاصيلها، مُستويات الشراكة، التي أوصلت علاقاتنا الثقافية لتعبر مخاطر علاقات السياسة. وقد كُنّا في البقعة المُباركة المهرجان والمؤسسة أول من سعى لذاك التبادل العظيم بيننا مؤسسات المجتمع المدني الثقافي، والرسمية حاضرة، تشهد ولا تمانع، نعم أعود للبقعة المباركة وقد أنهيت زيارتي للمدينة الأحب (واشنطن) وتحقق لنا معاً سودانيين وامريكان فتح قنوات حوار، وتجديد فرص وبرامج التعاون، نحتفي بكل سعادة والطيب صالح تزين كتبة مكتبة (الكونغرس الأمريكي)، وإن شاء الودود. وبعدها يصرخ (الزين) من على مسرح (الملينيوم) في مركز كندي للفنون (يا ناس الحلة، يا ناس هوي، الزين مكتول في واشنطن، كتلته جوان بت العمدة)،

وساعتها يقف عمدة (واشنطن) ليفتتح معرضاً لعروض مسرح البقعة في مناطق النزاع.

أتركها الآن ساعة كتابة الدهليز في طريقي إلى مدينة لي فيها الكثير، مكتب، ومركز مهدي للفنون قد أصبح مسجلاً لدى السلطات الرسمية، وسعادة الحبيب الأمير حسن عيسى التجاني رئيس مجلس الإدارة، يدير أول اجتماع للمجلس الاستشاري والتنفيذي تستضيفه المدينة الأحب (نيويورك) للإعداد والتحضير للاحتفاء بسيدي الطيب صالح، وعرض أول فرجة (عرس الزين) على مسرح (الملينيوم) في مركز(كندي للفنون بواشنطن).

تَسْلَمُوا،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى