د. عبد الله فتحي يكتب : سعدت جدّاً..

13 مايو 2022م

 

رشفة أولى:

 

والدنيا قبائل عيد.. كيلو الحلاوة مُشكّلة باللبن والكاكاو 1700جنيه.. ورمضان التراويح وبرش الضرا ضيفٌ خفيفٌ حمل متاعه ليغادر.. رائحة خبيز محروق تُداعب أنفي من جهة المخبز.. والسوق منتعشٌ ومزدحمٌ.. معروضات الملابس أحمر وأصفر وأزرق زاهية وباهية (الرخيص في.. والغالي في).. وجوه مهمومة ووجوه مبتهجة.. وسبحان الله.. لما تعاين زحمة السوق الخانقة وتكدُّس الباعة الموسميين.. الكل يعرض بضاعته لينتظر نهاية اليوم رزقه المقسوم فيناله كاملاً.. تستعجب وتكرر تاني.. سبحان الله.. ذاك يزيح الغبار.. وذاك يبني بالفاكهة هرماً.. وذاك منهمك مع زبون ليقنعه بالشراء.. وهذا ينظف المكان من حوله.. وصاحب السِّديري الذي يحمل المساويك ويبتسم لكل العابرين.. اجتهادٌ شديدٌ من جميع البائعين في هذا الموسم.. السوق وطن المال الوفير الحلال.

 

رشفة ثانية:

مهن وحرف سودانية رغم بساطتها، لكنها مهمة للغاية ولا غنىً عنها لاستمرار الحياة اليومية.. إضافةً إلى أنها تدر دخلاً مُدهشاً فوق كل ظن وتوقع.. (النقلتي). (الساعاتي). (النجّار). (الحدّاد). (صبي الأورنيش). (الخضرجي). (الفكهاني). (الكمساري). (الجرسون).(السقا). (القهوجي).(الطباخ). (الجزار). (بائع الرصيد). (الحلاق).(الكهربجي). (الجوكي).(العربجي). (فني الموبايلات). (الصائغ) و(فني النظارات).

 

و(هنري) فني النظارات يجلس تحت هذه الشمسية التي تظلل فقط جسده منذ سنوات.. أتيته وقد انكسرت نظارتي على يد ابني الصغير (أويس) فصرت امشي بين الناس بلا بصر دقيق.. ابتسم ونظر إلي وقال: مافي عوجة.. ابتسامته أسعدتني جداً وخففت انزعاجي من هاجس فقدان نظارتي وانا ذاهبٌ الى عمل يحتاج التركيز البصري.. وبدأ يبحث في الأيادي الكثيرة المربوطة في حزم أمامه ويجرب على مهل حتى وجدها.. وأصلحها..

وأصلح اليد الثانية ايضاً.. ونظفها.. ومدها إليّ على طبق يده بأناقة.. سألته: كم؟..

رَدّ: الساهلة.

(هنري) بصحته الجيدة المُعافاة.. وابتسامته الودودة الرزينة.. ووجهه الهادئ المحترم.. وهندامه النظيف البسيط.. وتمسكه بمهنته طوال هذه السنين.. وقناعته ورضائه الظاهر في عمله المتقن.. جعلني أعيد النظر في فكرة السعادة.. هل السعادة مال وفير.. أم منصب كبير.. أم علم غزير.. أم جسد قوي؟!!.

 

رشفة أخيرة:

 

سعدت جدا بهذه الإنسانية الراقية.. وهذه المعاملة الأنيقة.. وهذا الرضاء النفسي النادر.. فغمرت دواخلي غلالة من هدوء وراحة وانبساطة.. وأخذت ادندن مع نفسي: الدنيا ساهلة.. صعابا ساهلة.. بس رووق.. بس روق وأحلى..

و… معاكم سلامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى