في حوار لا تسقط كلماته بالتقادُم .. الإذاعي ذو النون بشرى: الإذاعة بالنسبة لي مثل الأم وهي التي أنجبت التلفزيون والمسرح!!

 

حاوره بالرياض/ فتح الرحمن محمد يوسف     9 مايو 2022م

يعد ذو النون بشرى أحد أبناء جيله المحظوظين، حيث تتلمذ على أعمدة إذاعة أم درمان الأوائل وبناة لبناتها الأولى أمثال محمد صالح فهمي، خاطر أبو بكر خانجي، علي شمو وأحمد الزبير، والذين اعتبرهم مدارس إذاعية قائمة بحالها لا تكرر، مؤكداً أن العطاء الذي قدم خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات عطاء وافر وثرٌّ لا مزايدة فيه.. ولا يتحرج ذو النون في إظهار شغفه بالإذاعة التي اعتبرها أمّه، بعكس التلفزيون الذي يخشى أضواءه الكاشفة ويرى في سخط البعض عليه ومقارنته بالفضائيات الأخرى ظلما. والإذاعة عنده كنز أسرار السودان ومكتبته الجامعة لكل الفنون والآداب والتراث والسياسة بأشواقه وذكرياته وتوثيقاته والتي تمنّى تحويلها إلى كتب لتسد نقص المكتبة السودانية المقروءة، كاشفاً عن مجهوداته في إعداد كتاب أسماه (ذكريات حيّة) جمع فيه أشتات علاقاته وتجاربه ولقاءاته الإذاعية مع 65 شخصية.

من هو ذو النون بشرى وكيف دخل محراب إذاعة أم درمان؟

من مواليد أم درمان، حيث النشأة وترعرعت ودرست بها جميع المراحل الدراسية. وتنقلت بحكم عمل والدي كضابط في الشرطة في كل أنحاء السودان تقريباً ومنها بورتسودان وكردفان ودارفور والجزيرة والشمالية …إلخ. والتحقت بالإذاعة السودانية في فجر الستينيات من القرن الماضي وتحديداً في عام 1961م وعملت بها وابتعثت للقاهرة إلى معهد التدريب الإذاعي ونلت زمالة المذيعين العرب وعدت إلى العمل الإذاعي لمواصلة المشوار، وأثناء العمل تقلدت عدة مناصب،  منها مدير إذاعة ود مدني ومدير إذاعة جوبا ومدير إذاعة نيالا ومدير إذاعة ولاية الخرطوم ومدير إذاعة كسلا ومديراً لإذاعة البرنامج الثاني، وأخيراً مديراً لإذاعة وادي النيل وبعدها تقاعدت إلى المعاش في 2003م.

كيف بدأت حياتك الإذاعية وأنت تدلف إلى حوش الإذاعة السودانية العملاقة للعمل بها لأول مرة؟

أول برنامج قدمته إلى الإذاعة بعد (2 – 3) أشهر من دخولي حوش الإذاعة كان اسمه (أفراح العرب)، والتقيت فيه مع الجاليات العربية الموجودة في السودان في ذلك الزمان، وأذكر من بينها الجاليات المصرية والعدنية واللبنانية، وكان البرنامج يتناول العيد في بلدانهم ويتحدث عن عاداتهم وتقاليدهم وأنماط حياتهم وأغانيهم وكل ما يتعلق بفرحة العيد ومظاهره في تلك البلاد العربية، ومن ثم أصبح البرنامج ملكا للإذاعة ويقدم في كل دورة إذاعية في ذلك الزمان.

بين التلفزيون والإذاعة.. الشاهد يرى أن ذو النون بشرى يميل كثيراً للإذاعة.. لماذا هذا الانكفاء الإذاعي؟

أنا دائماً في مناسبات كثيرة أقول إن الإذاعة أميّ وفعلاً الإذاعة بالنسبة لي مثل الأم وهي التي أنجبت التلفزيون وهي التي أنجبت المسرح القومي، فالإنسان التصاقه ومحبته دائماً يكونان بأمه. أما بالنسبة للتلفزيون فأنا لا أحب الأضواء الكاشفة وفي اعتقادي يختفي وينتفي عنده عنصر التخيل بالنسبة للمشاهد بعكس الإذاعة يتمدد فيها الخيال على مساحات شاسعة، وبرغم ذلك قدمت العديد من البرامج التلفزيونية.

عبر مشوارك الإذاعي مريت بكثير من الفنانين.. من منهم يعبر عن وجدانك وما أكثر الأغاني قرباً إلى نفسك؟

بحمد الله عشنا مراحل معظم الفنانين الكبار في أوج إنتاجهم وإبداعهم ومنهم أحمد المصطفى – عثمان حسين – إبراهيم الكاشف – حسن عطية – عثمان الشفيع  – التاج مصطفى – محمد وردي  – محمد الامين – سيد خليفة – ابراهيم عوض – عبد العزيز محمد داؤود – عبد الكريم الكابلي ..إلخ، ولكن حقيقة وأقولها بكل صدق  انجذب وأحسّ براحة عندما استمع إلى سيد خليفة، إذ  أنه فنان عفوي صاحب صوت مشحون بالشجن المشبوب بظلال من الحزن الدفين الصادق الممزوج بشيء من الفرح والأمل، وهذه الخلطة (مالكاني وعجباني شديد). أما أكثر الأغاني قرباً إلى نفسي هي أغنية ربيع الحب للمبدع إدريس جماع، وبالرغم من أنها كانت من بدايات سيد خليفة وليست من تجاربه الأخيرة، إلاّ أن جماع نظم عقدها بشكل رائع وسكب عليها سيد خليفة عمقه الموسيقي، حيث كان قد ظهر في القاهرة قبل أن يظهر في السودان كدارس للموسيقى، ولذلك كانت أغنية ربيع الحب خالدة.

ماذا عن تجربتك الشخصية مع بعض الفنانين الذين تغنوا بأشعارك ومن هو أول من صدح بقصيدة لك وغيرت مجرى حياته الفنية؟

الحقيقة الكثير من الفنانين تغنوا بكلماتي وفي مناسبات عدة وبعد ذلك لي علاقات حميمة معهم، إذ كنت أترك الإذاعة جانباً وأتعامل مع الفنان كإنسان وكصديق وأنشئ معه صداقة لا ارتباط لها بالإذاعة البتة. وأنا أقوم بإعداد كتاب جمعت فيه أشتات علاقات وتجارب ولقاءات ليس لأتحدث عن خبرتي فحسب، ولكن لتكون بعض المحطات التي وقفت عندها خلال السنوات الطويلة التي عشتها بين حنايا أمّي الرؤوم الإذاعة وفي حوشها الفسيح بذكرياته وأشواقه مع الفنانين ومع شخصيات أخرى مهمة في حياتنا وفي حياة أي سوداني، حيث تحدثت فيه عن 65 شخصية منهم فنانون وشعراء وكُتّاب ومفكرون وسياسيون وأدباء وعلماء ..إلخ من داخل وخارج السودان بما في ذلك مصريون وأسميته (ذكريات حيّة).

وماذا عن تجربتك مع شر حبيل أحمد؟

أعود فأقول إنه قد تغنى لي عدد كبير من الفنانين الكبار، حيث تغنى لي شر حبيل أحمد أول أغنية جاز في السودان وهي أغنية (حلوة العينين) وهي التي غيرت مجرى حياة هذا الفنان العملاق من الغناء الوتري إلى غناء الجاز وهي أول أغنية بهذا الشكل في السودان. ومن أعمدة خلاصة الفن السوداني الذين تغنوا لي أيضاً عبد العزيز محمد داؤود وصلاح بن البادية وأحمد الجابري الذي تغنى لي آخر أغنياته التي اختتم بها حياته وهي (مرسال الشوق) وهي أغنية عاطفية، كما غنى لي إبراهيم اللحو  وعبد الدافع عثمان وحمد البابلي في أغنية (يا أمّي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى