Site icon صحيفة الصيحة

صلاح  الدين عووضة يكتب : بمزاج!!

صلاح الدين عووصة

صلاح الدين عووضة

8 مايو 2022م

ثم بمنطق..

وليس بالضرورة أن يكون المنطق ذا ارتباط بالمزاج… المزاج الحسن..

بل قد يكون المزاج سيئاً… ويبدع الإنسان..

يُبدع بمنطق – ومزاج – في أي مجالٍ إبداعي… وإن كان مزاجه عكراً..

وكلامنا هذا يتماشى ومقولة (المعاناة تولد الإبداع)..

وربما يبدع المرء ومزاجه رائقاً… فهذه ليست قاعدة رياضية يُقاس عليها..

ورسل ووايتهد كانا من فلاسفة الرياضيات..

وألفا واحداً من أضخم – وأبدع – المؤلفات في هذا الخصوص؛ بالتضامن..

بمعنى شاركا في تأليفه هما الاثنان..

ووقتذاك كان أحدهما حسن المزاج… أو – على الأقل – لم تكن عليه ضغوط..

لا ضغوط معيشة… لا ديون… لا حياة زوجية..

وهو برتراند رسل؛ بينما ألفريد نورث وايتهد كان تحت ضغوط رهيبة..

فكان يطرق على الورق… والدائنون يطرقون بابه..

وحين اشتكت زوجته لصديقه – وشريكه – رسل تكفل هذا بقضاء حوائجه..

فهو يقع عليه العبء الأكبر في تأليف الكتاب..

ويقع عليه – في الوقت ذاته – عبءٌ كبير في تدبير شؤون بيته… ومعاشه..

وفوجئ العالم بمؤلف مبدع اسمه أصول الرياضيات…

وكان مزيجاً غريباً من مزاجين مبدعين؛ أحدهما نضر… والثاني عكر..

والممثل أحمد زكي كان يؤدي دور السادات..

وعندما فرغ من الجزء الأول من الفيلم اكتشف الأطباء إصابته بالسرطان..

فأصر على إكمال الجزء الثاني وهو يعاني..

كان مزاجه سيئاً إلا أنه مثل بمزاج… بمعنى أنه استغرق في التمثيل بمزاج..

فكان فيلماً إبداعياً مذهلاً؛ شاهده الناس بمزاج..

ومطرب أفريقيا الأول محمد وردي كان في مزاج مضطرب بسجن كوبر..

فقد اتهمه نميري بمساندة انقلاب هاشم العطا..

وكان يتوقع – من بين الذي يتوقعه من حكمٍ منتظر عليه – الإعدام شنقاً..

وذات يوم وقعت في يده قصيدة (قلت أرحل)..

وصاحبها نفسه – التيجاني سعيد – كان في مزاج نفسي سيئ حين أبدعها..

فأبدع وردي في تلحينها وهو بذاك المزاج العكر..

ورائد القصة القصيرة – يوسف إدريس – كان طريح الفراش بالمشفى..

ولما علم أنه يحتضر راودته فكرة مبدعة..

فكرة أن يُؤلف أقصر قصة في حياته… لأقصر رحلة بين الحياة والموت..

أراد أن يوثق – إبداعاً – قصة موته..

ولكن احتضاره كان أقصر من أن يكتبه قصة؛ فانتهت قصة إدريس..

انتهت قصصه… وقصته مع الحياة… فالموت..

وكاتب هذه السطور كان في مزاج سيئ – وحزين – طوال أيام العيد..

فهو ما زال تحت صدمة وفاة ابن أخته إبراهيم..

فضلاً عن أن مزاجه كان مزيجاً من أمزجة بعض الذين ورد ذكرهم..

من مزاج وردي… ومزاج وايتهد… ومزاج سعيد..

وإن لم يبلغ – من حيث نوعية التأثير – مزاجي أحمد زكي ويوسف إدريس..

فكتب سلسلة تحديات لرموز قحت… وقطيعهم..

كتبها خواطر على صفحته بالفيس؛ بما أن الصحف كانت في عطلة العيد..

كتبها بمزاجٍ عكر… ومنطقٍ نضر..

ثم تحداهم أن يردوا على كل تحدٍّ ذي منطق بمنطق مثله… لا بشتائم..

فهم لا يجيدون سوى الشتم..

فالشتيمة هي لغة العاجز؛ ثم لغة المواخير… والحانات… وقاع المدينة..

فكسب – كما توقع تماماً – الرهان..

وبعد التحدي الرابع ردد مع وردي – وسعيد – رائعتهما (قلت أرحل)..

رحل من سلسلة تحديه ذي المنطق… بمنطق..

وبمزاج!!.

Exit mobile version