محمد طلب يكتب: أولاد جون 

أخيراً وبعد هذا العمر وكل هذه الأعوام والسنوات اكتشفت أنني من (أولاد جون)، وحتى لا تذهبوا بعيداً فلست حاذقاً في شئ ما يجعلني أن أكون من (أولاد جون)، وكما هو معلوم فإن المصطلح يستخدمه عامة الناس– حديثاً- كناية عن (الخواجات) خصوصاً عند الإعجاب بصناعة ما أو سلعة ما أو غيرها فيقولون (والله أولاد جون ديل ما في شئ غلبهم).

فهم (أولاد جون) وإن كانت السلعة صناعة اليابان أو الصين أو أي نمر من النمور الآسيوية.

مما سبق يتضح جليا أنني لست من (أولاد جون) المذكورين أعلاه..

ولكن دعونا نبحث عن الاسم في السودان عسى ولعل أن تعرفوا علاقتي بـ(جون) الذي اكتشفت أنني من أولاده مؤخراً.

(جون) هو اسم ارتبط بأهلنا في جنوب السودان وربما نادر جداً عند أقباط السودان وربما لارتباطه بالديانة أو تقليد للغرب.

وبمجرد ذكر اسم (جون) عندنا تقفز إلى ذهنك صورة (لستكين عربية أمام البنبر وبجانبهما كانون عليه (صفيحة) يغلي داخلها الماء والصابون وطشت يمتطي ظهر اللستكين وكمية من الملابس) يقبع خلفها (جون) أو صورة أخرى لا تختلف كثيراً في مضمونها عن سابقتها شاب أبنوسي قوي البنية وعلى كتفه (صفيحة) بها خليط الخرسانة والأسمنت يركض بها في خفة متناهية لطابق علوي في بنايات (الخرطوم) عندما كانت عاصمة لوطن (جون ومحمد أحمد سوياً)- ولعل القاسم المشترك في الصورتين هو (الصفيحة) في عمليتي (الغليان والبناء)– ما علينا فهذا حديث يقود إلى مهالك السياسة خصوصاً إذا دلفنا إلى صورة أخيرة وانتباهة لـ(قزازة عرقي) (تصنعها زوجة جون في ذات العمارة التي يعمل بها جون نهاراً ويحرسها ليلاً وأنجب أربعة (نجركوك) بداخلها قبل أن تكتمل ويسكنها صاحبها المغترب و(بنته الوحيدة) أو لا يسكنها.

كل هذه الصور ولم تتضح علاقتي بـ(أولاد جون) حتى وإن ذكرت لكم شخصية (جون لمبة) المشهورة عندنا في العيلفون في التمانينات والتسعينات من القرن الماضي ومن كانوا من الشباب والصبية في ذلك الوقت يعرفون قصة اللمبة– لا أدري أين (جون لمبة) الآن لكن لا أنسى بالرغم من (قصة اللمبة) ومحاربة الخمور البلدية إلا أنه ساهم في نظافة المنطقة فقد كان عامل نظافة كم حمل أرتالاً من مخلفات بيوتنا والخلاصة أن جون واخوانه كانوا يبحثون عن لقمة عيش (بالعمل) وليس بغيره وإن كان صناعة الخمور…. وتجدنا نعود لمهالك السياسة مرة أخرى.

وللخروج من كل ذلك أنقل لكم صورة والدي بعد أن أتى من العمل وتناول وجبة الغداء التي تكون (في ذلك الزمان) بين الساعة الثالثة والرابعة بأي حال من الأحوال وبعد أن رفعنا صينية الغداء ورفع الشيخ صديق أحمد حمدون أذان العصر من إذاعة أم درمان ووضعنا (براد) الشاي وأنا اتأهب للخروج… (يا ولد محمد تعال هاك التعريفة دي جيب لي (جون) من عثمان الأطرش) وهو صاحب الدكان المجاور لنا رحمه الله.

إلى هنا ربما يتضح للبعض ما هو (الجون) ومن لا يعرف التعريفة غالباً لن يعرف الجون… بالأمس وأنا اجتر بعض من الذكريات مع صديق يصغرنا سناً (جبت ليهو سيرة الجون) وعندما علمت أنه لا يعرف الجون حينها فقط اكتشفت أني (دقة قديمة) وأطلقت على نفسي ودفعتي تهكماً وسخرية (أولاد جون).

دعوني أترككم تبحثون عن الجون

وأسال نفسي أين اختفى (الجون) ؟ ولماذا اختفى؟ وهل تم اكتشاف أضرار جانبية له؟

وأيضاً مسكنات أخرى مثل الكافينول والاسبرو…. كانت دعايتها تتزاحم على أبصارنا وأسماعنا وتدغدغ حساسية المواقف وكثير من الأسئلة لأهل الصيدلة والسموم.

وأقول لصديقي من (أولاد البندول) بعد أن أصبح البندول سيد الساحة…. وكما يقولون في الخليج (يا زول يا حبة بندول).

وأظن أننا الآن وفي ظل هذه الفوضى وغياب الدولة والأمن والصحة والتعليم  نحتاج الجون والبندول والبروفين وأقوى المسكنات ولن تستطيع تسكين هذه الآلام.

سلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى