منى أبوزيد تكتب : هَل مِن مُجْتَهِدٍ..؟!

22ابريل 2022م
“ووضع الندى في موضع السيف بالعلا.. مضرُّ كوضع السيف في موضع الندى”.. أبو الطيب المتنبي..!
في سورة التوبة آية قاطعة بشأن قصر الصدقات الواجبة على بعض الفئات (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). اللام في قوله تعالى “للفقراء” هي للملك والاستحقاق وكذلك حكم سائر المعطوفات التي وردت بعدها..!
ومع ذلك عطَّل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه العمل بحكم هذا النص القرآني عندما منع سهم المؤلفة قلوبهم، وذلك لانتفاء السبب في عهده ــــ بحسب اجتهاده ــــ ومع ذلك لم يقل أحد السابقين أو اللاحقين إن خليفة المسلمين قد خرج على أحكام الإسلام أو إنه قد أنكر شيئاً من الدين..!
الشيخ القرضاوي من العلماء الذين جوَّزوا مصافحة المرأة، وقد صرح ذات سانحة بأنه ظل يخفي لسنوات فتواه القائلة بجواز مصافحة المرأة عند الاضطرار تجنباً لتشويش “الجماهير”. المقصودون بمخافة التشويش هنا هم عامة المسلمين من عدم المتفقهين في الدين “وإن كان معظمهم من أولي الألباب الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه” لذلك سكت الشيخ عن الكلام المُباح، ولسنا ندري ماذا فعل الله بحجة الخوف من تشويش الجماهير تلك عندما قرّر أن يخرج عن صمته..!
ليس الشيخ القرضاوي وحده، هنالك شيخ سعودي يُشار إليه بالبنان زار رئيس مؤسسة النقد واستمع هناك إلى محاضرة وافية عن الدورة الاقتصادية للأوراق النقدية، أدرك بعدها أن لا علاقة لدورتها بالربا، لكنه قال إنّه لا يستطيع مُواجهة “الجماهير” بما وصل إليه، وما بات عليه من قناعة. فالشيخ يخاف من سُوء فهم عامة المسلمين لموقفه من مفهوم الربا في ثوبه العالمي القشيب، لكنه لا يرى بأساً في أن يلوذ بالصمت حتى وإن كان في صمته قعوداً عن فعل التبليغ..!
أما الشيخ عبد الله المنيع رئيس هيئة الرقابة الشرعية في المملكة العربية السعودية، فقد وصف بعض أعضاء مجالس إدارات البنوك والشركات ــــ علانية ـــ بضعفاء الإيمان، كونهم يتعاملون بقروض ربوية، لكنه عندما سُئل ـــ في جلسة محصورة ــــ عن بعض المصارف الربوية التي تجمع الأموال على أنّها للاستثمار في عُقُود المُرابحة الإسلامية ثم تُودع في خزائنها كودائع ربوية صريحة، قال إن ذلك جائزٌ شرعاً، ثم طالب سائليه بعدم الخوض في مثل تلك التجاوزات البسيطة بحُضُور العامّة و”الجماهير”..!
نحن في السودان عندنا فقهاءٌ يجتهدون في تعزيز مَوقف ولاة الأمر أمام العامّة بحججٍ شرعية وبالإسناد إلى مصادر التشريع رأساً، لكن مُعظمهم ظلوا صَامتين في شؤون فقهية ذات شجون، فهل كانوا أيضاً خَائفين من تشويش الجماهير..؟!
أعتقد أنّنا بحاجة إلى فتح طريق الاجتهاد – على الأقل – في فهم بعض نصوص السلف، وهنالك فقهاءٌ يفعلون – اليوم – في صحن دار الحنبلية بدعوتهم إلى إعادة النظر في أمر بعض المسلمات الدينية التي ظللنا نتوارث ترديدها بلا تفكير. فماذا عن الحال في بلادنا بعد رحيل الشيخ حسن الترابي “رحمه الله”، وهل ــ يا تُرى ــ من مُجتهد..؟!

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى